أي أفق للعلاقات المغربية الموريتانية بعد الأخطاء السياسية القاتلة
زنقة 20 . المصدر
لا يمكن فصل الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة السيد عبد الإله ابن كيران لموريتانيا عن الاستراتيجية الدبلوماسية النشطة التي اعتمدها المغرب جوابا عن التحديات الجديدة التي تواجه ملف الوحدة الترابية، ليس فقط باستحضار مستوى الزيارة وتوقيتها التي تزامنت مع الحراك الدبلوماسي المغربي الضاغط لسحب مسودة القرار الأمريكي، ولكن أيضا باعتبار وظيفتها الدبلوماسية بالنظر إلى مستوى العلاقات الحالية، وباعتبار مخرجاتها وحجم الاتفاقات التي تم توقيعها والتطلعات الاستراتيجية التي تم الإعلان عنها، والمسار الذي ستعطي انطلاقته.
من زاوية مستوى الزيارة، فالأمر يتعلق بزيارة رئيس حكومة محمل برسالة ملكية، وهو ما يؤكد من جهة موقع رئاسة الحكومة في التدبير الدبلوماسي للملف الترابي، ويؤكد من جهة ثانية وحدة وانسجام وتكامل الأدوار بين مكونات الفعل الدبلوماسي المغربي، وذلك خلافا لبعض التحليلات التي تسعى لخلق نتوءات بين مؤسسات الدولة ومكونات الجسم الدبلوماسي المغربي.
أما من حيث التوقيت، فلا أحد يمكن أن يجادل في دلالته الدبلوماسية القوية، لاسيما وأن الاستحقاقات التي دخلتها قضية الصحراء بعد تنامي التحديات الأمنية والتهديدات التي تمس منطقة الساحل جنوب الصحراء وتداعياتها على دول المنطقة، أصبحت تفرض أن يعزز المغرب مكتسباته السابقة في علاقاته مع دول الجوار، لاسيما موريتانيا، وأن يزيل السحب العابرة التي شوشت على هذه العلاقات وأن يرفع مستويات هذه العلاقات إلى أقصى قدر ممكن، وهو ربما الهدف الاستراتيجي الذي أرادت هذه الزيارة تحقيقه، إذ في هذا السياق يمكن أن نفهم حديث رئيس الحكومة السيد عبد الإله ابن كيران عن أن فرض التأشيرة بين مواطني موريتانيا والمغرب يمثل أحد التحديات التي تمنع العلاقات بين البلدين من تحقيق طفرة نوعية.
بيد أن ما يدل أكثر على حجم هذه المبادرة الدبلوماسية وأهميتها، هي مخرجاتها، إذ تم التوقيع في هذه الزيارة التي اندرجت ضمن أشغال الدورة السابعة للجنة العليا المشتركة بين البلدين على 17 اتفاقا ومذكرة تفاهم، شملت العديد من المجالات العملية والصناعية والخدمية في النقل والعبور والنفط والغاز والعمران والإسكان والاستصلاح الترابي والصرف الصحي وقطاع الموانئ وتطوير الموارد المائية والصيد والموارد البحرية والتعاون في مجالات تطوير الموارد البشرية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي.
طبعا، من السابق لأوانه أن يتم تقييم هذه الزيارة بالنظر إلى عائداتها الدبلوماسية بالنسبة إلى ملف الوحدة الترابية، و إن كانت المعطيات المرتبطة بحجم الاتفاقيات تؤكد بأن سحابة الصيف التي كانت تغطي سماء البلدين قد انقشعت، وأن مسارا آخر من تعزيز العلاقات قد بدأ، ويتوقع أن يتعزز بزيارة الرئيس الموريتاني إلى المغرب بعد الدعوة الرسمية التي وجهت إليه، وأن المطلوب اليوم ليس أكثر من متابعة الجهود الدبلوماسية لمواكبة هذا المسار وتعزيزه وخلق شروط نجاحه لاسيما وأن الساحة ليست فارغة تماما، وأن هناك فاعلين آخرين يمتلكون تقديم عروض أخرى منافسة تتطلب من الدبلوماسية المغربية أن تكون في كامل اليقظة لمنع أن يتم ذلك على حساب المصالح الحيوية للمغرب لاسيما قضية وحدته الترابية.
بكلمة، لقد وقفت الدبلوماسية المغربية مع التطورات الأخيرة التي عرفها ملف الوحدة الترابية على أن الدبلوماسية لا تعرف إلا لغة المصالح، فالمطلوب اليوم، أن تتوقف مليا عند دعوة الوزير الأول الموريتاني مولاي ولد محمد الأغظف رجال الأعمال المغاربة إلى الاستثمار في موريتانيا وتعهده بتوفير كل الضمانات لهؤلاء المستثمرين، وتأكيده على استعداد موريتانيا لعقد اجتماعات اللجنة بشكل دائم، وأن تدرك بأن الطريق يبدأ من هنا، أي من بوابة الاقتصاد والاستثمار والمال، وليس من بوابة العلاقات التاريخية والأخوية وغيرها من العبارات التي يتم افتعالها أصلا لتغطية الأساسات الحقيقية التي تقوم عليها العلاقات بين البلدان.