ما الأهم من وراء قضية الوحش دانيال : الاحتجاج على العفو الملكي عن البيدوفيلي أم تقليص سلطات الملك ؟
زنقة 20 . السفير العربي
بقلم : محمد بنعزيز . كاتب و سينمائي مغربي
استقبل الملك محمد السادس في يوليو 2013 ملك اسبانيا خوان كارلوس. كانت مراسيم الاستقبال غاية في الحفاوة بغرض تأكيد تجاوز كل الخلافات الثنائية منذ سيطرت القوات الإسبانية على جزيرة ليلى في 2002. فمذاك العلاقة بين الجارين متوترة. تبعد الجزيرة مئتي متر من الشواطئ المغربية. الحق واضح لكن القوة اغتصبته.
وقد أدى وصول اليمين للحكم في إسبانيا إلى برودة في العلاقات بين رؤساء الحكومات. لذا تولى الملوك تصحيح الصورة. وللتعبير عن سخاء النيات، تم العفو عن 48 سجيناً إسبانياً في السجون المغربية. كانت الزيارة ناجحة على الأصعدة كافة.
بعد ذلك اتضح أن العفو تم عن سجناء لم يقضوا إلا فترة قصيرة جداً من الأحكام الصادرة في حقهم.
ومنهم دانييل كالفان الذي اغتصب أحد عشر طفلاً مغربياً وقد حكم بثلاثين سنة سجناً. العفو شمل إسباناً آخرين، أصلاء، وليسوا مكتسبي الجنسية مقابل خدمات استخبارية كما حال المغتصب. أصلاء، ولكن مهربي حشيشة ومسوِّقين لها...
اندلعت موجة غضب غير مسبوقة في المغرب.
تذكر الناس حوار المتهم والقاضي في قاعة المحكمة بمدينة القنيطرة شمال المغرب. قال القاضي «لماذا؟» أجاب دانييل كالفان «لأنهم لا يكلفون غالياً وكل شيء يمكن شراؤه بالمال».
هكذا عاد الجدل عن السياحة الجنسية للواجهة. في ظل ازدهار سياحي بينما تشكو مناطق كثيرة في العالم من تراجع السياح. يستقبل المغرب ثمانية ملايين سائح. وقد زاد عدد السياح في مدينة أغادير بنسبة 20 في المئة. تضاعف عدد الاسبان المقيمين بالمغرب بين 2008 و2013. انتقل من 3000 شخص إلى أكثر من 10.000.
من ضمن هؤلاء السياح متقاعدون كثيرون، يكرهون العيش في المدن ويفضلون قرى في مواقع استراتيجية على البحر وقرب المدن الكبرى. قرى لا يكلف استئجار السكن فيها أكثر من 100 يورو. يعيشون رفاهية بـ 800 يورو. يمثل المغرب ملجأ اقتصادياً وسياحياً للأوروبيين. نادلان في مطعم يرحبان بسائحة أوروبية لتناول غذاء شهي. يخاطبانها بالإنجليزية والألمانية والفرنسية... لا ترد على دعوتهما، يهمس النادل لزميله «لو فتشتها لن تجد في جيبها 50 يورو»
هكذا تغيّرت صورة الأوروبي لدى المغاربة. لم يعد سوبرمان. صار يشبهنا كثيراً. طبعاً تغيّرت صورة المهاجر المغربي في أوروبا كذلك. في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تعرض شبان مغاربة لاختبار عضلاتهم في الأسواق الشعبية، وبعد الانتقاء هاجروا إلى أوروبا. وهكذا تشكلت صورة المغربي في أوروبا: فلاح أمي يعمل بعضلاته ليرسل جلّ دخله لأهله في «البْلاد». مع الجيل الثالث من أبناء المهاجرين صارت الصورة أفضل. جمال الدبوز ورشيدة داتي أيقونة هذه المرحلة. بينما تلمع صورة المهاجر هناك، تتعرض صورة الأوروبي لهزة. يحتاج الأمر قلب ما قام به إدوارد سعيد لنرى الوجه الجديد للأوروبي في الجنوب.
في مراكش وأغادير «تبلّد» (من البلد) كثيرون منهم. سياح كهول غالباً - استقروا في أحياء شعبية. تعلموا اللهجة المحلية. يقومون بكل الأشغال اليدوية بأنفسهم. وهكذا لا يُشغِّلون المغاربة. أوروبي نجار؟ أوروبية تطبخ الطاجين؟ عجب. ولدى هؤلاء الأوربيين رياض (المنازل التقليدية) يستأجرونها، بعضهم صار سمساراً يجلب زبائنه من بلده الأصلي. صار المغربي مندهشاً من تفوق الغرباء في بلده، وتفسيره للأمر هو «هذا بلد يعطي للبراني».
لقد انطلق موسم الهجرة إلى الجنوب.
ما الذي يبحثون عنه؟
بما أن الطبق الثقافي فارغ في المدينة فلم تبق إلا أطباق اللحم الحي والمطبوخ لتسلية السياح. على هذا المستوى ليس لدى مصطفى سعيد بطل الطيب صالح ما يخجل منه. هو الذي ذهب إلى لندن للانتقام للسودان بمدفعه من بنات الإنجليز، مستعمري بلده.
في المغرب، مرّ على أطفالنا كثيرون من اصحاب النفوذ، إعلاميون وفنانون، بل وزير فرنسي سابق كان يقصد مراكش ليستمتع بإنزال سراويل الأطفال في حفلات جنس جماعي مع تصوير الضحايا للتفاخر. انتشار البيدوفيليا جزء من السياحة الجنسية السائدة. فإذا كان السائح الخليجي يفضل البنات الجميلات في سن العشرين، فالسائح الأوروبي غلامي الهوى. وقد أرسلت وسائل إعلام دولية محققيها إلى مراكش مسلحين بكاميرات خفية لتقدم وقائع لا تُدحض.
العقلية الذكورية تهضم دعارة البنت التي «خُلقت للجنس». لكنها لا تهضم تجارة مؤخرات الذكور المذلة تماماً. وفي الثقافة الشعبية، فإن أسوأ تهديد يوجهه طفل أو شاب لزميله هو «إذا أمسكت بك سأ...». في مجتمع كهذا يملك الضحايا الذكور تفوقاً أخلاقياً مضاعفاً. حينها يتعرّض المجتمع بكامله للإدانة لأنه عجز عن حمايتهم. لهذا السبب اندلعت انتفاضة بعد العفو على الإسباني، طافت صور الدم على رؤوس المحتجين شاشات العالم. انتشرت تعليقات عنيفة وساخرة بشكل غير مسبوق من تصرّف الملك.
فوجئت النخبة السياسية والثقافية بزخم الموقف الشعبي. أن تفاجأ النخبة السياسية أمر عادي، لأن «كل حزب بما لديهم فرحون». وقد حاولت هذه النخبة بوقاحة اللحاق بالشارع. أما أن تفاجأ النخبة الثقافية فهذا علامة على حالة تخدير ذاتي وموضوعي.
هكذا تبدّد جو الاحتفال بعيد العرش الذي يصادف الذكرى الرابعة عشرة لتولي محمد السادس الحكم. انتقل الحديث من حالة عفو إلى مطلب سياسي بتقليص صلاحيات الملك واستقلال القضاء. وهكذا انبعثت من جديد كل المطالب التي ظُنّ أن دستور 2011 أجاب عليها.
بعد أيام، بدأ الاستغلال السياسي للمسألة. حمّل حزب معارض حكومة الإسلاميين مسؤولية العفو. جرى اتهام وزير العدل الذي كان آخر من يعلم. قال وزير العدل الإسلامي «الحمد لله». جرت مطالب بوقف السياحة بغض النظر عن حاجة الاقتصاد إليها. تم التنديد بمنسوب التسامح مع السائح، مثلاً إذا كان المغربي برفقة امرأة فهو ملزم بتقديم عقد الزواج لتدخل معه غرفة الفندق بينما يدخلها السائح الغربي بحرية. كتبت داعية صحافية أن العلمانية هي سبب البيدوفيليا. رد عليها غاضب بأنها تؤيد البيدوفيليا ومفاخذة بنت ست سنين، وذكّر بصمت السلفيين في هذا الباب. هكذا صار المشهد ضبابياً يعجز العراف عن تفكيكه. طبعاً الغموض يخيف