هل يُخطط الملك محمد السادس لفتح ملف سنوات الرصاص بالبيضاء؟


زنقة 20

كل الولاة الذين عينهم الملك محمد السادس على جهة الدارالبيضاء الكبرى كانوا يتمتعون بثلاث شرعيات: شرعية دستورية وشرعية قانونية (ظهير 1977) ثم شرعية التعيين الملكي. وحده خالد سفير الذي عين واليا على العاصمة الاقتصادية يوم 17 أكتوبر 2013 حظي بشرعية رابعة، تكمن في أن تعيينه جاء في حمأة النقاش الدائر حاليا بالمغرب عقب الخطاب الملكي لدى افتتاح الدورة التشريعية والذي خصصه لأعطاب الدار البيضاء، علما آنه لم يسبق إطلاقا لأي خطاب ملكي أن عالج قضية مدينة في البرلمان، مما جعل كشافات الضوء تسلط أكثر على خالد سفير لمعرفة البصمة التي سيضيفها على تدبير الدار البيضاء ومعرفة الأجوبة التي سيقدمها لتطويق الاختلالات بأهم مدينة بالمغرب.

فمهمة الوالي سليمان العلوي الذي عينه الملك في بداية حكمه على الدار البيضاء (يناير2000) كانت تتجلى في تفكيك إمبراطورية الوزير القوي إدريس البصري بهذه المدينة. بينما مهمة إدريس بنهيمة المعين يوم 27 يوليور 2001 فكانت تتجلى في تطعيم سلالة رجال السلطة بجينات التنمية والقطع مع صورة الوالي الأمني. إلا أن مقتضيات تدبير التقطيع ووحدة المدينة اقتضت الإتيان برجل خبر المعلومة والمسارب الأمنية ليتولى الدار البيضاء، ونعني بذلك الوالي محمد الظريف المعين يوم  26 مارس 2003، وهو البروفيل الذي تناسب مع اندلاع أحداث 16 ماي 2003، لإطفاء حرائق التنظيمات الإرهابية.

بعد استكمال مهمته وارتفاع أصوات تطالب بوضع حد لظاهرة الاستثناء
(derogation)

وتمكين الدار البيضاء من لوحة قيادة تعميرية جيء بالوالي محمد القباج يوم 22 يونيو 2005 للإشراف على وضع مشروع إستراتيجي، وهو ما توفق فيه رفقة زميله علال السكروحي حين بارك الملك المخطط المديري للدار البيضاء في أكتوبر 2008 بالقصر الملكي بالحبوس.

في 22 يناير 2009 تم تعيين محمد حلب واليا، وهو التعيين الذي تزامن مع اندلاع الربيع العربي وحركة 20 فبراير بالمغرب وتزامن أيضا مع «البلوكاج» الذي عرفه مجلس مدينة الدار البيضاء بسبب صراعات تافهة بين مكوناته بشكل جعل فترة حلب تعد من أحلك الفترات التي مرت منها الدار البيضاء (مشاريع مجمدة وأوراش متوقفة، انخفاض مؤشر ثقة الفاعلين السياسيين والجمعويين والمهنيين...)؛ ثم وقع الاختيار على محمد بوسعيد ليكون واليا على الدار البيضاء يوم 10 ماي 2012 حيث كانت مهمته هي إخراج المدينة من «البلوكاج» وضخ الأوكسجين في كل المشاريع المتوقفة. وهو ما توفق فيه بذكاء، فخرج في عهد بوسعيد ورش تتليث الأوطوروت ونفق شيميكولور ونفق عبد الرحيم بوعبيد ودراسة الخط الثاني من الترامواي، وتمت جباية 57 مليار سنتيم إضافية لفائدة ميزانية المدينة بعد إصلاح مرفق الجبايات المحاية لتصل المداخيل عام 2012 إلى 257 مليار سنتيم، إلخ...

إلا أن تداعيات ترميم حكومة بنكيران الثانية والحاجة لإيجاد مخرج مشرف لكل من زعيم حزب «المصباح» وزعيم حزب الأحرار بخصوص تعنت موقفيهما في من سيتولى وزارة المالية اقتضى المناداة على محمد بوسعيد ليشغل منصب وزير المالية رغم أنه لم يمكث في بناية ولاية البيضاء سوى 15 شهرا.

في هذه الأثناء كانت الأجراس تقرع بالقرب من القصر الملكي من طرف الخبراء محذرة من سوء تدبير بنكيران للشأن العام بشكل أدى إلى هبوط مستوى النمو بالبلاد بشكل مخيف. وبحكم أن الدار البيضاء هي قلب المغرب النابض كان لابد من الاعتناء بالأعضاء السامية (Les organes nobles)

للجسم المغربي، لأن موت الدار البيضاء معناه موت المغرب، خاصة وأن العاصمة الاقتصادية رسمت لها وظيفة خدماتية جديدة تتجلى في الخدمات المالية العليا (La Haute finance)

المقررة بالقطب المالي أنفا. هذا القطب الذي يمكن اعتباره ورشا ملكيا خالصا لكون المشروع حالما ينجز (القطب المالي) سيوفر 80 ألف وظيفة منها 35 ألف وظيفة في مهن المال والأعمال والتأمين ثلثها سيتخصص في المهن المالية الدولية مع ما يعنيه ذلك من قيمة مضافة للمغرب عامة والبيضاء خاصة من جهة وما يعنيه ذلك من تنويع في الاقتصاد الوطني وإدخال المغرب في الرادار الدولي من جهة ثانية، بدليل أن كاتب الدولة في الخارجية البريطانية «أليستر بورت» المكلف بشمال إفريقيا زار المغرب مؤخرا أربع مرات، وفي كل هذه الزيارات كان القطب المالي في صدارة محادثاته مع المسؤولين المغاربة. ليس هذا فحسب، بل إن الأمير أندرو المبعوث الخاص للمملكة المتحدة للتجارة والاستثمارات كان أول مسؤول دولي يتحدث عن القطب المالي بالدار البيضاء عام 2007، وهو ما بلوره في أقل من سنة ونصف حين زار «أيان لودر» عمدة الحي المالي بلندن «City»

مدينة الدار البيضاء عام 2009 ليتبعه في نفس الإطار الأمير تشارلز. بالموازاة مع ذلك اختار الملك محمد السادس الأميرة للا جمالة لتكون سفيرة المغرب في لندن ليس لدرايتها باللغة الإنجليزية وبالثقافة الأنجلوسكسونية فقط، بل لتنسج جسورا بين الوسط المالي البريطاني والدار البيضاء، وهو ما جعلها تنظم كل سنة منذ عام 2010 مؤتمرا للتعريف بمناخ الاستثمار بالمغرب. هذا المجهود أثمر في 2012 توقيع اتفاقية بين La City والقطب المالي بالبيضاء كما أثمر قرارا هاما للوزير الأول البريطاني بتعيين «اللورد شيرمان» مبعوثا خاصا للتعامل مع المغرب. هذا الأخير زار المغرب عام 2013 ومهد لزيارتين هامتين حول القطب المالي، الأولى لرئيس الوكالة البريطانية للتجارة والاستثمار «نيك بيرد» والزيارة الثانية قام بها اللورد مارلند كاتب الدولة البريطاني في التجارة.

هذا الرهان لا تستحضره النخب السياسية المغربية الغارقة في السجال المبتذل مما جعل الملك ينادي على خالد سفير ليكون واليا على الدار البيضاء لتتبع أجرأة هذا الورش المهم والحيوي، ليس لأن سفير ينتمي لسلالة المهندسين فحسب (فـ 72 في المائة من ولاة البيضاء في العهد الجديد كانوا مهندسين أيضا)، بل لكون خالد سفير كان أحد أعضاء «نادي الكبار» المكلف بصياغة القطب المالي للدار البيضاء والوصي على هذا الورش باسم القصر داخل وزارة المالية حينما كان يشغل منصب كاتب عام هذه الوزارة...
فالمغرب يعيش اليوم ضائقة مالية ويعاني من تبعات الانكماش في بلدان الاتحاد الأوربي مما أدى إلى إصابة الاقتصاد الوطني بالعدوى التي أنتجت أمراضا.

فحين يصاب المرء بدوخة مرضية، فإن أول ما ينتبه إليه الطبيب المعالج هو الأعضاء السامية أو النبيلة في الجسم (les organes nobles) خوفا من إصابتها بتلف ناتج عن ذبحة معينة بفعل تصلب الشرايين، وهذا ما يفسر كون الطبيب يحرص أشد الحرص على سلامة الدماغ والقلب ويبادر إلى تحصينها لتأمين سلامة اشتغال الجسد ككل.

إذا أسقطنا هذا المثال على المجال السياسي نجد أن الملك محمد السادس في خطابه الأخير توجه مباشرة إلى حماية العضو النبيل
(l'organe noble)

في الجسم المغربي، ألا وهو مدينة الدارالبيضاء لإنقاذها قصد حماية باقي التراب الوطني من ذبحة قلبية، بشكل أدى إلى صدمة للطبقة السياسية بالنظر إلى عنصر المباغتة الذي حمله الخطاب الملكي. نقول المباغتة لأن النخب السياسية أصيبت عضلاتها بالارتخاء والتنويم مما اقتضى خلخلة هذا السكون بخطاب قوي. يمكن اعتباره (أي خطاب 11 أكتوبر) ثاني محطة بارزة في حكم الملك محمد السادس. المحطة الأولى كاني هي القرار الإرادي باحداث هيأة الإنصاف والمصالحة في بداية حكمه لطي سنوات الرصاص (1999-1959) وما تلا ذلك من جلسات استماع كسرت فيها الطابوهات حول المعتقلات السرية والفظاعات التي ارتكبت بالسجون الرهيبة (تازمامارت، مكونة، أكدز، تاكونيت، درب مولاي الشريف إلخ...) إذ سمح هذا القرار بتسريع دينامية الانفتاح السياسي بالمغرب. والأمل هو أن يكون خطاب 11 أكتوبر 2013 مؤسسا لملف آخر مماثل ألا وهو «سنوات الرصاص بالدارالبيضاء» مع ما يستتبع ذلك من جلسات استماع للضحايا من مواطنين وجمعيات ومجالات وأحياء ومقاولات ونساء ومعوقين وشباب لطي صفحة التدبير الأعرج والمشوه بحثا عن مونطاج مؤسساتي جدد يضمن الفعالية والجودة والسرعة والدقة والنجاعة في إدارة قلب المغرب وتنفيذ الأولويات الملحة المبرمجة في وثائق التعمير.

تقول خلاصات الحوار حول إعداد التراب الوطني الذي توجت أشغاله بترأس الملك لأشغال مجلسه عام 2004: «إن الدارالبيضاء هي قاطرة الاقتصاد الوطني، ومستقبل المغرب مرتبط بدرجة كبيرة بتنميتها لذلك يجب العمل على تمكين الدارالبيضاء من أدوات التطور الكيفي والكمي، ومن أعلى المستويات».

هذه الخلاصة ظلت دوما تمثل سؤالا حارقا لـ «الوطن الآن» إذ لم يخل عدد منها طيلة السنوات الماضية من التوقف عند فضح التواطؤات المتعددة التي طالت هذه التوصية.

وإيمانا بـ «فذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين»، «الوطن الآن» تعيد في هذا العدد نشر بعض أهم الافتتاحيات التي سبق نشرها حول نكسات الدارالبيضاء أملا في أن تلتقط النخب رسائلها.

«اللهم إنا قد بلغنا، فاشهد»

أعد الغلاف꞉ عبد الرحيم أريري
مدير نشر أسبوعية «الوطن الآن»
الخميس 24 أكتوبر 2013 - العدد 537









0 تعليق ل هل يُخطط الملك محمد السادس لفتح ملف سنوات الرصاص بالبيضاء؟

أضف تعليق


البحث في الأرشيف

البحث بالتاريخ
البحث بالصنيفات
البحث في الموقع

البوم : صور