حكاية عجوز بمراكش تجاوز 120 سنة يعيش تحت رحمة البرد بالشارع العام


زنقة 20

بعد أن وهن العظم منه وبلغ من الكبر عتيا، ضاقت به الدنيا بما رحبت، فلفظته الدور والمؤسسات، ليحتضنه الشارع، ويفرد له  زاوية فسيحة جوار مسجد جيليز، متكوما على نفسه وفي قلبه شيء من هذا الجحود الذي تقابل به مدينة سبعة رجال بعض شيوخها ومسنيها.

باعبد القادر يلامس اليوم عامه العشرين بعد المائة،وأصبح عاجزا عن الحركة، لا تكاد تقوى على حمله قدماه، يجتر ما بقي في الروح من رمق،وهو بالكاد يعي ما يدور حوله.

ولأن حكمة المثل الشعبي تؤكد على أنه”إلى دحاك البخيل، عند الكريم تبات” فإن »با عبد القادر» لم يعدم وهو في حز محنته قلوبا رحيمة تحاول جهد طاقتها، توفير بعض مستلزماته ومتطلباته وإن”على قد الحال”.

بالمنطقة السياحية جيليز،يفترش اليوم »با عبد القادر» جانبا من الطوار، وقد جلل عظامه الواهنة ببعض ما تيسر من أفرشة وأغطية، لا يكاد يظهر منه سوى جزء من وجهه الذي غطته التجاعيد، وتناثرت شعيرات لحيته البيضاء لتغزو ملامحه الحزينة، بعد أن خاصمها مقص الحلاق طيلة ردح من الزمن.

ظل الرجل على امتداد سنوات عمره المديد، تتلقفه الحرف والمهن ،لتمنحه فتات الأجر والراتب، ما جعله عاجزا عن تكوين أسرة وإنجاب أبناء يشدون من أزره، حين لحظات ضعفه وشيخوخته، ليجد بعدها نفسه وقد جاوز القرن بعقدين من الزمن، في أحضان الشارع بدون” حنين ولا رحيم”.

وحتى المؤسسات الخيرية التي تلقفته في لحظات شاردة ،لم تكن في مستوى متطلبات شيخوخته، ما جعله يفضل الاحتماء برحمة الشارع، بعيدا عن فظاعات سجلتها ذاكرته الواهنة، ومنحته مناعة قوية ضد الركون لحياة الملاجىء.

بعبارات لا تخلو من نبرات الأسى المشوبة بغير قليل من نفحات الجد والصرامة يؤكد با عبد القادر” دوزت فالخيرية شهر قل شي يامات” قبل أن يردف بالكلمة الفصل” ولكن ما كاينا معنى”.

على امتداد أزيد من سنتين والرجل المسن يفترش جنبات المسجد المذكور، دون أن يثير منظره أيا من الجهات المسؤولة محليا،ووحدهم بعض التجار والساكنة المجاورة، من آلوا على أنفسهم النهوض بحاجياته، ومنحه بعض الدفء المفتقد، عبر توفير  متطلبات عيشه على قلتها، فيما جسده يظل منتصبا خلف أكوام من الأسمال والأطمار.

با عبد القادر اليوم يعيش عاجزا عن الإتيان بأية حركة، بعد أن خانته قدماه وأصبحتا في حكم المشلولتين، ووحدهم بعض المحسنين من يتطوعون بحمله لقضاء حاجاته الطبيعية، والنهوض بحاجياته الضرورية.

ولأن لحياة الشوارع قوانينها وأحكامها الخاصة،التي تسري ديمقراطيتها على الجميع،فإن »با عبد القادر»  أجبر وهو في وضعه المذكور،على تجرع  نصيب من مرارتها، حيث يعيش اليوم على إيقاع لعبة القط والفأر مع بعض المنحرفين والمتشردين.

ما تجود به أيمان بعض المحسنين الذين  تدفعهم حدة الإشفاق إلى خصه ببعض من”وسخ الدنيا”،يجرده منه زوار الليل،الذين يستفردون به ويقومون بتقليبه بحثا عن درهيمات جادت بها أكف الإحسان،مع ما يسببه الأمر من قض مضجع العجوز، وركنه في زاوية الإزعاج والمضايقات.

معاناة يكابدها الرجل في عز شيخوخته دون أن يملك لها دفعا،ويضطر للاكتفاء بمواجهة عمليات “التبقشيش” اليومية التي ترميه بها جموع المتشردين والمنحرفين،بعبارات احتجاج مختنقة لاتكاد أصداؤها تتجاوز مسامع خصومه،فيما لسان حاله يردد مع الشاعر”ليت الشباب يعود يوما،فأحكي له ما فعل المشيب”.









0 تعليق ل حكاية عجوز بمراكش تجاوز 120 سنة يعيش تحت رحمة البرد بالشارع العام

أضف تعليق


البحث في الأرشيف

البحث بالتاريخ
البحث بالصنيفات
البحث في الموقع

البوم : صور