طنجة تبتعد عن مآثرها .. مذابح في حق تاريخ يُدمره وحوش العقار
زنقة 20 . طنجة
مآثر طنجة تحتضر، هده هي الجملة التي يصرخ بها المهتمين و جمعويو البوغاز، ومثقفو المدينة ومؤرخوها التي كانت دولية دات مرة.
مراسلات دورية و احتجاجات متوالية، لجمعيات مدنية مهتمة بالثقافة و التاريخ، لا تجد أدنى صدى أو اهتمام.
اشارات عاجلة لحماية أسوار، ومباني تاريخية، لا تلقي أي جواب، تلك هي طنجة وتاريخها التي أصبحت بين أنياب وحوش العقار وسماسرة اعدام التاريخ.
قد تاريخ طنجة، تشهد له رفوف كبرى المكاتب الأوربية، والعالمية، حضارات ما قبل تدوين التاريخ عاشت هنا، فترات زاهية، مرت بها المدينة، وساكنتها، مطامع كثيرة، لدول عظمى، وشخصيات سياسية كبيرة مرت من هنا.
الانتداب الدولي بالمدينة، جعلها قبلة العالم، تحولت على اثره، الى منطقة دولية، جنسيات كثيرة تلك التي ارتبط عشقها بطنجة، ومراحل حكم مختلفة تعاقبت على احتضانها.
فمرحلة الوجود الألماني تتجلى في مآثر المندوبية الموجودة في ساحة تاسع أبريل ( سوق دبرا ) وهو المكان التاريخي، الذي ألقى منه الملك الراحل محمد الخامس خطابه التاريخي أثناء زيارته لطنجة سنة (1947 ) وحدائق المندوبية بها مقبرة ألمانية ومآثر تدل على الوجود الألماني في شخص الجالية الألمانية.
التاريخ سجل طبعاً الزيارة التاريخية التي قام بها الإمبراطور الألماني ، غليوم الثاني سنة ( 1912 ) أي قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى بسنتين.
أما الوجود الإنجليزي فيتجلى في ما تزخر به المدينة القديمة من فيلات وقصور شيدت على الطريقة الإنجليزية مابين سنوات ( 1800 و 1930)، علما أن طنجة كانت تتوفر على وكالة بريدية خاصة بالإنجليز بدار البارود، ومع الأسف فقد طال هذا الفضاء التاريخي التهميش، كما أن بناية مندوبية الثقافة حاليا هي في الأصل فضاء إنجليزي محض وجوارها توجد حديقة تسمى حديقة الإنجليز، كما أن الإنجليز كان لهم مستشفى خاص بهم في حي مرشان هو الآن تستغله وزارة الصحة العمومية.
ولم يمر الوجود الفرنسي في المدينة دون أن يخلف أي أثر، فالوجود الفرنسي يتجلى في معلمة "فيلا دي فرونس" ومتحف "دي لاكروا" بشارع الحرية وغيرها من المآثر العمرانية الموجودة في الفضاءات البحرية وفي البعثة الفرنسية والمركز الثقافي الفرنسي.
مسرح سيرفانتيس
أما إسبانيا والتي تعد أقرب دولة لمدينة طنجة، فإن وجودها الإسباني في عروس الشمال يتجلى في المعلمة الكبرى مسرح "سيرفانتس"، الذي يعتبر الأول من نوعه في المغرب، باعتبار أن طنجة كانت السباقة لممارسة المسرح وفنونه، لكن للأسف فإن الوضعية الحالية، التي يوجد عليها هذا المسرح التاريخي محزنة ومؤلمة، وتدعو لطرح أكثر من علامة استفهام.
إضافة إلى مسرح سيرفانتس، هناك عقارات إسبانية تصنف عمرانيا بمآثر هذه المدينة وهي الموجودة قبالة الميناء والمدينة القديمة وبمنطقة الرميلات، ناهيك عن الكنائس الإنجليزية والإيطالية والمعابد اليهودية ومقابر الكلاب وباقي المآثر الموجودة في أنحاء طنجة، التي تؤرخ لفترات جميلة من المدينة، لكن المؤسف أن هذه المآثر التاريخية كلها يطالها التهميش وتحولت إلى مزبلة ترمى فيها النفايات، كما هو حال مسرح "سيرفانتس" والمسؤولية في هذا الوضع تتحملها الجماعة الحضرية لطنجة بصفتها الوصية عن تسيير الشأن المحلي وأيضا وزارة الثقافة وباقي الوزارات المعنية وجمعيات المجتمع المدني، التي اهتمت بكل شيء إلا بصيانة تاريخ مدينة طنجة الضارب في عمق التاريخ والشاهد على عمق حضارة هذه المدينة.
وكان أخر الاجهازات على المأثر التاريخية، هو اعدام أحد أقدم الفيلات بالمدينة، بالقرب من محطة القطار القديمة.
فهذه البناية ذات القيمة التاريخية كانت فيما مضى ملكا لأحد الإسبان، فتم هدمها مؤخرا بعد حصول الملاك الجدد على ترخيص بالهدم مسلم من طرف جهة ما ، علما أنه سبق للجنة مختصة أن زارت المكان بناء على الطلب الذي تقم به أصحاب الملك للبت في طلب الحصول على الإذن بالهدم بدعوى أن البناية آيلة للسقوط، فلما عاينت اللجنة المختلطة هيكل البناية ، تأكدت من سلامة بنيتها وقدرتها على الصمود ، وأنها تحتاج فقط إلى الإصلاح الشامل، ولذلك أوصت بترميمها تحت إشراف مفتشية المباني التاريخية ومهندس مختص.
لكن سرعان ما تم تشكيل لجنة أخرى مضادة لتقوم بإثبات عكس ما أوصت به اللجنة الأولى، فتم استصدار قرار الهدم الذي نفذ بسرعة فائقة، والذي أتى على كل البناية التي ظلت شاهدة على التاريخ طيلة هذه المدة، وكان بناؤها متينا، كما أنها ظلت تتوفر على لوحة رخامية أثرية بالواجهة الخارجية .. وقد نفذ قرار الهدم رغم أن البناية توجد في منطقة حساسة مشمولة بقرارالترتيب الذي استفادت منه مجموعة المباني التاريخية المجاورة المعروفة (برين شاوصن )، وهي مشكلة من أربع بنايات ذات هندسة معمارية تجمع بين الطراز المعماري الإنجليزي والأماني، حيث يتوفر في أعلاها النادي التاريخي (دي كورسال) الذي سبق أن استغل منذ القرن التاسع عشر ناديا للأجانب ، هذا بالإضافة إلى مجاورة البناية التي تم هدمها للمقبرة اليهودية القديمة .. وبسبب هذه الحيثيات تظل عملية إعادة البناء في ذلك الموقع مغامرة لما يشكله من خطر على المباني الأثرية المجاورة ، كما أن التصميم المرخص به لا يجب أن يخالف التصميم الأصلي للبناية ولا تجاوز مستوى علوها للحيلولة دون إحداث تشوه معماري بالموقع .
إعدام هذه البنايات، ليس الحادثة الوحيدة التي تتعرض لها المباني التاريخية بطنجة مؤخرا، فخلال السنة الماضية تم هدم مبنى فندقين، بترخيص من الجماعة الحضرية، فندق مسيليا بزنقة تارغة يعود تاريخه إلى القرن 19، وفندق ابن بطوطة بزنقة ماجلان والذي بني سنة 1914 ، كما سبق في سنة 2005 هدم مبنى فندقين آخرين يعدان من أقدم الفنادق بطنجة، فندقا منديز، وماجيستيك بشارع إسبانيا سابقا .
وكان فندق منديز يحتوى على بعض الجداريات القديمة تؤرخ لعهود مضت.
وها هو فندق سيسيل الذي يعد أول فندق بني على شاطئ طنجة، فهو ينتظر نفس المصير بعد أن تخربت جوانبه وتهدم من الداخل ولم يتبق منه إلا أطلال بالية تشهد على حجم الجريمة النكراء التي تتهدد المعالم التاريخية والأثرية بطنجة.
و تحولت مغارة "هرقل" التاريخية، بسبب اهمال مسؤولي المدينة، الى مرتع للمتشردين و السكارى، حيث التبول على الحيطان، وغياب الأمن، في الوقت الدي تستقبل فيه ألاف الزوار من مختلف أنحاء العالم.
<img alt="" data-cke-saved-src="http://rue20.com/up/editor/images/aaasdd.jpg" src="http://rue20.com/up/editor/images/aaasdd.jpg" 12px;="" height:="" 6px;"="">