واعظات مغربيات ... نساء دين لكبح جماح التطرف الديني
زنقة 20 . وكالات
جعلت سلسلة الضربات الإرهابية التي تعرضت لها الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للبلاد، في مايو (أيار) العام 2003، القائمين على المجال الديني في المملكة يجتهدون ويبحثون عن كل ما من شأنه أن يسهم في توعية المواطنين دينياً ويضمن استقراهم النفسي، من خلال خطاب إسلامي معتدل يتم تحت رقابة وزارة الأوقاف المغربية، ويقطع الطريق أمام مرشدين ودعاة يعملون على تمرير عدد من المواقف المتشددة بين مختلف شرائح المجتمع المغربي.
أعلن العاهل المغربي محمد السادس العام 2004 عن استراتيجية جديدة ضد العنف، وإصلاح الخطاب الديني، لم تستثن الفتاوى من منشأ عربي مشرقي محافظ، ووسائل نقلها عبر الفضائيات والإنترنت، وانطلق محمد السادس في العام نفسه من إصلاح المجلس العلمي الأعلى وأئمة المساجد، ولم تستثن الجالية المغربية في الخارج من تلك الجهود، حيث أنشئ مجلس علماء مغاربة في أوروبا. وفي يونيو (حزيران) العام 2009.
تجسيداً لهذه الحملة انطلق المغرب في برنامج واسع لتأهيل أئمة المساجد في المدن والأرياف، كذلك تم تأهيل عدد من الداعيات، وإطلاق قناة تلفزيونية وأخرى إذاعية مكرستين لاستراتيجية خلق خطاب إسلامي وسطي ومعتدل . كما لم تستثن الحملة فوضى الفتاوى في المغرب، والتي سببت حرجاً للرأي العام المغربي، وللمغرب كدولة، في العديد من المرات.
وفي العام 2006 تم تخريج أول دفعة من المرشدات الدينيات المغربيات في دار الحديث الحسنية في الرباط على هامش استراتيجية الإصلاح الديني، اختتم الملتقى المغربي الأول للعالمات والواعظات والمرشدات الدينيات أعماله العام 2009 في "قصر المؤتمرات محمد السادس" ببلدة الصخيرات الواقعة بضواحي الرباط، حيث تدارس خلال ثلاثة أيام عدة موضوعات مرتبطة بتحديد أولويات التأطير الديني للنساء.
الاستثمار والتوظيف لمهنة الواعظات الدينيات ضد الأيديولوجيات القائمة في المغرب، لم يكن غائباً عن خطاب السلطة في المغرب، كما لم تغب عنه في جارتها العربية الجزائر، ففي رسالة موجهة من الملك محمد السادس إلى المرشدات الدينيات في الملتقى المغربي الأول للعالمات والواعظات والمرشدات الدينيات سالف الذكر، ألقاها عنه أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، دعا العالمات والواعظات والمرشدات الدينيات إلى الإسهام الفاعل في محاربة التخلف والإقصاء وتنوير العقول والقلوب، وتنقيتها من سقيم الفكر وفاسد الاعتقاد، ومن نزعات التطرف والانغلاق .
أما بالنسبة إلى برنامج التأهيل الخاص وشروط القبول في سلك إعداد وتأهيل المرشدات الدينيات، فتتلخص في الحصول على شهادة الإجازة، وحفظ نصف القرآن على الأقل، والإلمام بقواعد العلوم الشرعية، وضبط أصول الفقه والعقيدة، وغيرها من المرتكزات الأساسية.
وبرنامج التأهيل تشرف عليه بشكل مباشر وزارة الأوقاف المغربية، ويرنو إلى تكوين وتخريج 50 مرشدة سنوياً، ويرجح أن كل مجلس علمي يضم حاليا ما بين 10 و40 واعظة. ويشرف على هذا البرنامج علماء مغاربة متخصصون في مختلف العلوم الشرعية. كما تحصل المرشدات الدينيات، طيلة الـ12 شهراً الخاصة بالإعداد، على منحة شهرية قيمتها 2000 درهم (ما يعادل 200 يورو)، وعند التخرج للالتحاق بالعمل في المندوبيات التابعات لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تتلقى راتباً شهرياً يقارب 4000 درهم.
أما في المجال الاجتماعي، ولكثرة التزايد والإقبال على هذه الظاهرة في المغرب، فقد تضخم الخطاب الوعظي النسوي المسجدي، إلى خارج الحدود الرسمية لمهمات الوعظ والإرشاد، وأصبح الإقبال على المجتمع مباشرة أقوى وأكبر، وولجن مؤسسات اجتماعية، وشرعن في برمجة زيارات إلى المستشفيات لمواساة المرضى، وطرقن زنزانات السجون للتخفيف عن نزيلاتها، كما فتحن باب العمل الخيري الاجتماعي على مصراعيه. وتصدين في بعض القرى التي ينشطن فيها إلى خطاب الشعوذة والممارسات الشعبية التي لا تتلاءم مع الشريعة الإسلامية.
المفارقة أن المرشدات الدينيات المغربيات، وعلى خلاف المرشدات الجزائريات، لا تعبأن كثيراً بقضية الموعظة في أجواء مختلطة، وخطابهن ليس خطاباً نسائياً محضاً بالدرجة الأولى، كما هي مهمة الواعظ ليست مهمة دينية وخطاباً وعظياً موجهاً للرجال فقط، كما أن المرشدات الدينيات المغربيات لا تعبأن كثيراً بموضوع النقاب لبساً ووعظاً وإرشاداً، إلى كون تجربة المرشدات الدينيات تسعى أيضاً لإظهار المغرب بلداً أكثر انفتاحا وليبرالية تجاه المرأة وحقوقها.
يرصد الباحث المغربي في شؤون الحركات الإسلامية رشيد مقتدر الظروف الذاتية والموضوعية التي جاءت بها تجربة المرشدات الدينيات في المغرب، والتي يرى أنها أتت أساساً للحد من سلبيات التشدد الديني والغلو الأيديولوجي الذي نجم عن التأثيرات السلبية لبعض التيارات السلفية المتشددة أو الداعية للعمل المسلح، وهو ما تجسد فعلياً في المغرب بعد تفجيرات 16 مايو (أيار) العام 2003 بالدار البيضاء، إلى جانب العمل على التبرير الشرعي للاختيارات الدينية بالمغرب المحددة في "العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني (الجنيدي)" كثوابت تجسد الهوية الدينية للمغرب والدفاع عنها، والسعي لبثها بين الجمهور، إلى جانب الدفاع عن الإسلام والمؤسسة الملكية والوحدة الترابية كثوابت سياسية.
أما مواطن الضعف والقصور في تجربة المرشدات الدينية، فيوجزها رشيد مقتدر في كون مردوديتها المباشرة لم تظهر بعد بكيفية ملموسة، كما أنها لم تتمكن من فرز نموذج مغربي في التعامل مع التأطير الديني للنساء، بالإضافة إلى أن حجم التحديات المطروحة أمام المرشدات والواعظات يطرح سؤال تلاؤم البرنامج التعليمي الذي يخضعن له خلال سنة واحدة على المستوى البيداغوجي والمنهجي مع حجم المهارات والمعارف التي اكتسبنها خلال هذه الفترة.
وإذا كان بعض المختصين والعلماء المغاربة قد أشادوا بتجربة المرشدات الدينيات، باعتبار أن الساحة الدعوية النسائية في المجتمع تحتاج لإسهام واعظات شابات ورعات ومتفتحات وذوات شهادات جامعية عليا، فإن آخرين يتحفظون بخصوص هذه التجربة، لكونها ترمي إلى الحد من إشعاع المساجد بالمغرب، ومراقبتها والتحكم فيها عن طريق أفواج من المرشدات والواعظات والأئمة أيضا، في حين أن البعض ينظر إلى تجربة المرشدات بعين الشك وعدم الرضا، باعتبار أنها تستهدف إقصاء الوعاظ والأئمة والواعظات الذين "لا ترتاح لهم" السلطات المعنية أو المنتمين لجماعات إسلامية مغربية محددة بعينها .