العشوائيات في المغرب غير النافع... معاناة لا تنتهي وأحلام مُؤجلة
زنقة 20 . وكالات
بيوت قصديرية تمتد على مرمى البصر. تفصل بينها أزقة شديدة الضيق. تجري في معظمها مياه تنبعث منها روائح كريهة بسبب غياب خدمات الصرف الصحي. الولوج إليها بدون مرافقة من خبير بالحي سيكون بمثابة دخول إلى دوامة يصعب الخروج منها: مرحبا بكم في "دوار الكورة"، أقدم وأكبر حي عشوائي في العاصمة المغربية الرباط، صمد في وجه كل السياسات الحكومية لإعلان الرباط مدينة بدون صفيح.
الغريب عن الحي لا تخطئه العين. الناس هنا يعرفون بعضهم جيدا. النساء أكثر حضورا في هذا الحي العشوائي خلال النهار. أما الرجال، فيضطرون إلى الذهاب إلى أحياء أخرى في العاصمة المغربية بحثا عن فرصة عمل تدر عليهم لقمة العيش، هكذا فسر ياسين، التفاف جمع من النسوة بـ"سقاية"، لا تبعد سوى بنحو عشرين مترا عن الطريق الساحلية التي تحد "الدوار" من الجهة الغربية، المطلة على المحيط الأطلسي.
أحلام مؤجلة
قاد ياسين، وهو شاب حصل العام الماضي على الإجازة في القانون العام من جامعة محمد الخامس في الرباط، "العربي الجديد" في جولة بمختلف أرجاء الدوار.
بيد أنه لم يستطع حتى الساعة الحصول على فرصة عمل. "الإجازة لم تعد تساوي شيئا في سوق الشغل (العمل)، سأحرص هذا العام على التقدم لماستر في العلوم السياسية"، يضيف ياسين، الذي لم يخفِ أمله في أن تتاح له فرصة عمل قريبا، خاصة في الإدارات العمومية، لكي يتمكن، أخيرا من تحقيق حلم أسرته في امتلاك شقة بحي لائق.
في انتظار تحقق هذه الأمنية، لا يزال هذا الشاب، وثلاثة من إخوته، أكبرهم يدرس هذا العام في السنة الثانية باكلوريا (ثانوية عامة) في الاعتماد ماليا على والدهم الإسكافي.
هذا الأخير لم يندم، وفق تصريحاته لـ"العربي الجديد" عن قراره، شهر أغسطس/آب 1983، حزم أمتعته وهجر قريته النائية بمعية زوجته في منطقة "سبت مغشوش"، نحو ثمانين كيلومترا شرق العاصمة الرباط، وصرف مدخراته على اقتناء "براكة" (بيت في حي صفيحي) بدوار الكورة.
"عرفت أنه لا مستقبل لي في البادية، على الأقل هنا ستكون لأولادي فرصة للدراسة"، يقول أحمد، 59 عاما. علما بأن ياسين وجميع إخوته رأوا النور في هذا الدوار. لا تتجاوز مساحة البيت عشرين مترا مربعا. وحين اقتناه أحمد كان يأمل أن تمنحه الدولة بقعة أرضية يشيد فوقها منزلا محترما قبل أن يكبر أولاده، غير أنه لا شيء تحقق من أمانيه. والآن، ضاقت "البراكة" بهذه الأسرة. "الحمد لله، راه كاين ما كرف منا بحال الجيران مساكن (الحمد لله، ثمة من هم في وضع أسوأ منا بكثير مثل جيراننا المساكين)".
بالإضافة إلى ضيق "البراكات"، لا توجد في هذا الحي أي خدمات أساسية باستثناء الكهرباء. الماء متوفر هنا في سقايات، وجلبه إلى المنازل مهمة نسائية بامتياز.
لكن الناس هنا يعانون كثيرا في ظل غياب خدمات الصرف الصحي. إذ تجري في الأزقة الضيقة مياه كريهة الرائحة تزكم الأنوف، "ولولا أن السكان، خاصة الشباب، ينظمون من حين لآخر حملات لتنظيف الأزقة، لكانت الأوضاع أكثر سوءا" يقول الشاب ياسين.
بخصوص خدمات التربية والتعليم، يبدو أن أبناء الدوار محظوظون، لكونهم محاطين بمؤسسات تعليمية عمومية كثيرة من التعليم الابتدائي إلى الثانوية.
كما أن الرباط تضم أرقى الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في المغرب. غير أن "هناك صورة نمطية عن أبناء الدوار، على غرار باقي العشوائيات في المغرب، تتهم بالإجرام"، يقول حسن، صديق ياسين، الذي ولد في هذا الحي قبل أن تزدهر تجارة والده ويشتري شقة بحي "دوار الرجاء في الله"، قريب من هذا الحي العشوائي.
يتذكر حسن، الذي يساعد والده في إدارة محل تجاري لبيع التجهيزات المنزلية كيف خلقت له إقامته في الحي العشوائي "دوار الكورة" مصاعب، حيث "نتهم بالإجرام إلى أن تثبت براءتنا"، على حد تعبيره.
محاولة فاشلة
في خريف عام 2002، عينت في المغرب حكومة جديدة يقودها رجل الأعمال المغربي الشهير إدريس جطو. وقد أسندت فيها حقيبة الإسكان والتعمير لأحمد توفيق احجيرة، الذي يشغل حاليا منصب رئيس المجلس الوطني (أعلى هيئة تقريرية) لحزب الاستقلال، أكبر قوة سياسة معارضة في البلاد. أبدى توفيق احجيرة حماسا كبيرا للقضاء على السكن العشوائي.
وبعد سنتين من العمل، أطلق عام 2004 خطة لتحقيق هذا الهدف بحلول عام 2012. قامت الخطة على العمل على صعيد المدن بحيث يتم تدريجيا إعلانها "مدنا بدون صفيح"، إلى حين إعلان المغرب كله دولة بدون عشوائيات. وقتها، نبه الخبراء إلى أن القضاء على العشوائيات بالمدن الكبرى، مثل الدار البيضاء والرباط، ليس سهلا.
ورغم تزكية احجيرة في منصبه عام 2007 في حكومة عباس الفاسي، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، فإنه أعلن فشل خطته قبل أن يفقد منصبه الوزاري بتعيين عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (إسلامي) رئيسا للحكومة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، عقب تصدر حزبه الانتخابات التشريعية التي أجريت في البلاد في الخامس والعشرين من الشهر نفسه.
وفي العام الماضي، كشف محمد نبيل بنعبد الله، وزير السكن وسياسة المدينة المغربي، عن صرف 25 مليار درهم (3 مليارات دولار) المعتمدة لخطة احجيرة بدون القضاء على السكن العشوائي. فمن أصل 85 مدينة كان مخططا إعلان مدن بدون صفيح بحلول عام 2012، لم تكلل الأعمال بالنجاح سوى في 45 مدينة.
وأرجع بنعبد الله فشل الحكومة في تحقيق هذا الهدف إلى مطالبة سكان الأحياء الصفيحية، ومن بينهم سكان "دوار الكورة" بمنحهم بقعا أرضيا بدل إعادة إسكانهم في شقق في ضواحي المدن.
وأعلن الوزير نفسه، قبل أشهر، كذلك أن حكومة بلاده ستنهج مقاربة جديدة تقوم على إعادة إسكان سكان العشوائيات في بنايات سيتم تشييدها فوق العقارات التي توجد بها هذه الأحياء. غير أنه لم يكشف حتى الساعة عن موعد البدء في تنفيذ هذه المقاربة.