عيد الأضحى بفاس .. تقاليد وعادات أصيلة
زنقة 20
تصر الحاجة ربيعة كلما اقترب عيد الأضحى المبارك على إحياء طقوسها الخاصة للاحتفال به والاستعداد لكل العمليات التي جبلت على القيام بها منذ عقود من أجل التحضير وفق ترتيبات خاصة لهذه المناسبة .
فبمجرد اقتراب أيام العيد تشرع الحاجة ربيعة عبر مكالمات هاتفية مسترسلة في تحفيز بناتها المتزوجات والمستقلات في بيوتهن ( ثلاث بنات ) من أجل القدوم إلى بيت العائلة ومساعدتها على التحضير لهذه المناسبة بكل ما يليق بها من حفاوة على اعتبار أنها المناسبة التي يجتمع فيها شمل العائلة ويعود الأبناء المستقلين بزيجاتهم من مدن أخرى لقضاء أيام العيد مع الوالدين رفقة الزوجات والشقيقات والأولاد .
ورغم تقدمها في السن تشرف الحاجة ربيعة على كل صغيرة وكبيرة في عملية تنظيف المنزل وترتيبه ? وتتكلف بهذا العمل الشقيقات الثلاث حيث يشرعن في الكنس والغسل والتنظيف من السطح نزولا عبر الطابقين والأدراج ? وإعادة ترتيب الأفرشة مع تخصيص عناية أكبر للمطبخ و( مواعينه ) وأوانيه باعتباره الفضاء الذي تقضي فيه الحاجة وبناتها أكبر وقت طيلة أيام العيد في تحضير وإعداد (الشهيوات) والوجبات الخاصة بهذه المناسبة .
ف(العيد الكبير) يشكل بالنسبة لها موعدا سنويا للالتقاء والاجتماع بأبنائها وأحفادها الذين يعيشون بعيدا عنها في مدن أخرى لظروف عمل آبائهم ? ولذلك فما أن تقترب هذه المناسبة حتى تستعيد الحاجة حيويتها وتنسى آلام المفاصل والركبتين وضيق التنفس وثقل السنين ( 73 سنة ) وتبدأ في الإعداد والتحضير لهذا اليوم الذي تعتبره مشهودا لأنه يرمز بالنسبة إليها إلى لم شمل العائلة والالتقاء بالأحباب.
وتقول الحاجة ربيعة ? في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء ? إن الإعداد والتحضير لهذه المناسبة يبدأ قبل دخول شهر ذي الحجة بأيام حيث تستدعي بناتها اللواتي يعشن معها بنفس المدينة من اجل ترتيب البيت وتنظيفه بالكامل مع شراء التوابل وتنقيتها وإعدادها ? بالإضافة إلى اقتناء المكونات التي تستعمل في تحضير الحلويات و(الشهيوات) التي يتم إعدادها بهذه المناسبة والتي دأبت الحاجة على تحضيرها كل سنة لتقديمها لأولادها وأحفادها عند قدومهم وكذا لأفراد العائلة الذين يزورونهم بهذه المناسبة .
وإذا كان الاحتفال بعيد الأضحى بفاس هو شبيه من خلال عاداته وتقاليده مع مختلف الجهات الأخرى بالمملكة فإن الحاجة ربيعة ترى أن أهل فاس يتميزون بإعدادهم لوجبات خاصة يتم تحضيرها من لحم الأضحية مثل أكلة ( المروزية ) التي يتم إعدادها عبر تحضير قطع من مفاصل لحم الخروف ( خاصة التي يغلب عليها العظم ) ومزجها بالتوابل و( راس الحانوت ) قبل طهيها باللوز والزبيب .
كما تشرف على تهييئ ظروف استقبال الأضحية التي يقتنيها أبناؤها وشراء مستلزمات الذبح ( اقتناء وشحذ السكاكين ) وفحم الطبخ وكل المرفقات التي تصاحب التحضير للأكلات خاصة خبز العيد الذي تصر الحاجة ربيعة على عجنه وتحضيره بيديها والتي تقول إنه يكون مختلفا عن خبز الأيام العادية حيث تضيف له ما تسميه ب ( الزرارع ) من قبيل الزنجبيل وغيره .
ومباشرة بعد عودة الرجال من صلاة العيد يتم نحر الأضحية لتجمع الحاجة ربيعة بناتها وكناتها وتوزع عليهن الأدوار حيث يشرعن في غسل ( الدوارة ) بينما تتوجه أخريات إلى إعداد كبد وقلب الخروف لتحضير ( بولفاف ) الذي يكون هو أول وجبة يتم إعدادها وأكلها على مائدة الغذاء في الوقت الذي تكون فيه النسوة قد هيأن ( الدوارة ) التي ستخصص لمائدة العشاء لأنه يمنع حسب الحاجة ( جرح السقيطة ) في أول أيام العيد .
ويتكون فطور اليوم الثاني من أيام العيد من رأس الكبش ( مبخر ) والذي يتم تقديمه مصحوبا ب ( المخ المشرمل ) وكؤوس الشاي بالنعناع لتبدأ مباشرة بعد ذلك مرحلة تقطيع لحم الأضحية وتوزيعها وفق حصص مضبوطة تراعي نوعية الوجبات التي سيتم إعدادها سواء تعلق الأمر ب ( المحمر ) الذي تخصص له قطع كبيرة شيئا ما أو الموجه ل ( التفوار ) الذي يخصص له القفص الصدري للأضحية والأكتاف أو ذلك الذي سيخصص لتحضير ( كباب ) والذي يكون عبارة عن ( هبرة ) بالإضافة إلى اختيار الأجزاء التي سيتم توزيعها كصدقة على المحتاجين والأسر المعوزة .
وبعد أن يكون رجال البيت قد قاموا خلال اليوم الأول من ايام العيد بزيارات وجولات على مختلف منازل العائلة لتجديد الصلة ومباركة العيد يأتي دور النساء في اليوم الثاني واللواتي يتوجهن جماعات عند قريباتهن لصلة الرحم على إيقاع كؤوس الشاي والحلويات مع ( ذواقة العيد من لحم الخروف ) لتبدأ خلال هذه الجلسات عملية سرد طويلة لأطرف ما وقع عند بعض القريبات او الجيران يوم العيد وحكايات الجهد المبذول في هذه المناسبة والتحضيرات الجارية لإعداد الأطباق والمأكولات الخاصة وغيرها .
كما تشكل هذه المناسبة بالنسبة للعديد من سكان المدينة فرصة لمساعدة المحتاجين والأرامل واليتامى من خلال الإكثار من الصدقات وتقديم يد المساعدة لهم عبر تقديم إعانات مادية وعينية وألبسة ومواد غذائية أساسية وغيرها .
ولا تزال بعض النساء بفاس كما تقول الحاجة ربيعة تحافظن على بعض الطقوس الشعبية الخاصة ومنها الاحتفاظ بقليل من دم الأضحية في منديل أبيض والذي يعتقدن أنه يساعد على التداوي من بعض الأمراض إلى جانب دفع العين الشريرة أو تعليق ( مرارة ) الكبش في السطح لجلب الرزق وغيرها من العادات التي بدأت تتلاشى مع مرور السنين .
ويظل عيد الأضحى من المناسبات التي يجدد فيها المغاربة صلتهم بقيم التضامن والإخاء حيث يحرصون على ممارسة هذه الشعيرة الدينية مرفوقة بكل العادات والطقوس المرتبطة بها باعتبارها تشكل من جهة مناسبة دينية لترسيخ قيم التضحية والتضامن ومساعدة الأسر المعوزة وذوي الحاجة وفي نفس الوقت احتفالية أسرية واجتماعية تعكس بحق تشبث المغاربة بتقاليدهم وأعرافهم الأصيلة.