ماذا يحمل المستقبل للجزائر؟ هل يحمل التغيير "رجل العمل القذر"


زنقة 20 . الرباط

بقلم : علي الأنصاري

كان انتخاب الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة متوقّعاً على نطاق واسع، لكن المسار الذي يمكن أن تسلكه الأحداث لايزال غير واضح المعالم. كيف ترسي النخبة السياسية أسس المرحلة الانتقالية؟

يُخيّم الالتباس والقلق على مستقبل الجزائر. ربما كان انتخاب الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة متوقّعاً على نطاق واسع، لكن المسار الذي يمكن أن تسلكه الأحداث لايزال غير واضح المعالم. فعلى الرغم من أن حلفاء بوتفليقة يتّجهون إلى الاحتفاظ بالسلطة بعد الإعلان عن تعديل حكومي الشهر الفائت، لايزال الالتباس يحيط بهوية الشخص الذي سيحل مكان الرئيس المتقدّم في السن. في ظل هذه الأجواء، أقرّت الحكومة قوانين تكبح نشاط الجمعيات الأهلية، وضاعت أيضاً الآمال التي عقدها الإصلاحيون على الإجراءات التي انطلقت في سبتمبر الماضي والتي كانوا يأملون بأن تؤدّي إلى إصلاح الأجهزة الأمنية الجزائرية وتوقُّفها عن أداء دور الشرطة السياسية. في غضون ذلك، تواجه البلاد سلسلة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية كيف ستدير الجزائر مرحلة مابعد بوتفليقة؟ وكيف ترسي النخبة السياسية أسس المرحلة الانتقالية؟ يلقي أربعة خبراء في الشؤون الجزائرية نظرة عميقة على التغييرات المرتقبة.

لقد احتفظ المستشارون المقرّبون من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وبينهم وزراء أساسيون، بحقائبهم في التشكيلة الحكومية الجديدة. وأعيد تعيين عبد المالك سلال في منصب رئيس الوزراء بعد تخلّيه عنه لفترة مؤقتة دامت أكثر من شهر تولّى خلالها إدارة الحملة الانتخابية للرئيس بوتفليقة. وكذلك احتفظ وزير الداخلية الطيب بلعيز، ووزير الخارجية رمطان العمامرة، ووزير العدل الطيب لوح، ونائب وزير الدفاع الوطني الفريق أحمد قايد صالح، بمناصبهم.

 أما "الرابح" فهو أحمد أويحيى الذي يعود إلى الساحة مجدداً وتكراراً، هذه المرة في منصب مدير مكتب الرئيس برتبة وزير دولة. إنه مسؤول عن المراجعة التي تجرى حالياً للدستور، وقد سبق له أن خاض هذه التجربة عندما كان رئيساً للوزراء في العام 2008 بهدف الإفساح في المجال أمام بوتفليقة للترشّح لولاية ثالثة. كما أنه طبّق سياسات صعبة، وغير شعبية في معظم الأحيان. تنعته الصحافة الجزائرية بـ"رجل العمل القذر"، وهي صفة يعتزّ بها، تماماً كما يعتز بانتمائه إلى الفريق الهامشي الجامح الذي ينادي بإبادة الإسلاميين. تكمن قوّته في حفاظه على ولائه للرئيس والدولة على الرغم من عزله من الوزارة في سبتمبر 2012، وإقالته من قيادة حزبه، التجمع الوطني الديمقراطي. يبدو أن أويحيى هو الشخص الذي يميل صنّاع القرار خلف الكواليس إلى اختياره خلفاً لبوتفليقة، على الرغم من الشائعات التي تتداول اسمَي عبد القادر بن صالح وسعيد بوتفليقة كمرشّحَين محتملين لخلافة بتوفليقة. فقد وضعت الصحافة حداً لطموح بن صالح عندما زعمت أنه مجنّس وليس جزائري المولد - تفرض المادة 74 من الدستور الجزائري أن يكون الرئيس من الجنسية الجزائرية الأصلية. أما سعيد بوتفليقة فقد ذاع صيته بأنه "لص" بسبب تورّطه في العديد من قضايا الفساد.
 
دور دائرة الاستعلام والأمن

شهدت دائرة الاستعلام والأمن التابعة للجيش الجزائري، منذ إعادة هيكلتها في سبتمبر 2013، موجة ثانية من الإصلاحات بعد الموجة الأولى في مطلع التسعينيات. لاتسعى هذه الإصلاحات إلى معالجة التهديدات الإقليمية المتنامية وحسب، إنما أيضاً إلى الاستجابة للتطورات الداخلية الراهنة. بيد أن هناك حاجة إلى مقاربة أكثر تقدّمية كي تتخلّى الدائرة عن وظيفتها التقليدية في أداء دور الشرطة السياسية وتتحوّل نحو العمل الاستخباراتي الحقيقي.

 إلى جانب هذه الإصلاحات، تبذل الرئاسة، بموجب اتفاق بالتراضي، جهوداً دؤوبة لإظهار أن دائرة الاستعلام والأمن أصبحت أكثر شفافية، وأنها تنأى بنفسها شيئاً فشيئاً عن التدخّل في السياسة. نصَّ المرسوم الرئاسي 14-183 الصادر في 11 يونيو على إنشاء مصلحة التحقيق القضائي على أن تكون خاضعة لسلطة دائرة الاستعلام والأمن والمدّعي العام في القسم الجنائي في محكمة الاستئناف، ومهمّتها إجراء تحقيقات حول التهديدات للأمن القومي (الإرهاب، والتخريب، والجريمة المنظّمة، والفساد). علاوةً على ذلك، نصّ المرسوم على أنه يُمنَع على مصلحة التحقيق القضائي التدخّل في الشؤون التي لاصلة لها بمهامها المحدّدة الواردة في المرسوم المذكور، مثل الشؤون السياسية. يُعتبَر نشر مرسوم حول المسائل الخاصة بدائرة الاستعلام والأمن وعرضه على الملأ مؤشراً عن المحاولات التي تُبذَل من أجل إضفاء مزيد من الشفافية على عمل الدائرة.

تحاول الرئاسة تكييف العقائد العسكرية والأمنية في البلاد مع عقيدتها في السياسة الخارجية. في مايختص بالأمن، ليس أكيداً بعد إذا كان يمكن تحقيق التحسين في الحكم المؤسساتي من دون الإخلال بالاستقرار. التحدّي الأساسي في المستقبل هو الانتقال من فن الحكم إلى فن القيادة.

 على الرغم من أن هذه التشريعات وُصِفت بأنها تساهم في تعزيز الديمقراطية، إلا أنها تسبّبت في الواقع بتقييد الحريات وانتهاك الالتزامات الدولية التي قطعتها الجزائر، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة).

 ينص قانون الجمعيات على أن العلم والخبر لم يعد كافياً لإنشاء منظمة أهلية، وأن التسجيل يخضع للموافقة المسبقة من السلطات. واقع الحال هو أن هذا التشريع يعمد في بعض جوانبه إلى تقنين ممارسة كانت السلطات تطبّقها في الأصل على نطاق واسع، بما يؤدّي إلى تعزيز نفوذ السلطات ويعوق استقلالية الجمعيات الأهلية وتنظيمها بطريقة حيادية. بمقتضى القانون الجديد، تستطيع السلطات الآن رفض تسجيل الجمعيات التي تعتبر أنها "مخالفة للثوابت والقيم الوطنية والنظام العام والآداب العامة وأحكام القوانين والتنظيمات المعمول بها". ويفرض القانون أيضاً قيوداً شديدة على تمويل المنظمات الأهلية والعضوية فيها، من جملة قيود أخرى. من شأن هذه التدابير المشدّدة والالتباس في مفهوم الامتثال المنصوص عليه في القانون أن تتيح للسلطات منع تشكيل جمعيات، بما فيها المجموعات التي تدافع عن الحقوق الأساسية.
 
يُظهر هذان القانون بما لايرقى إليه الشك أن النظام يريد تقييد المجتمع المدني ومختلف أشكال المعارضة السلمية. وبالأهمية نفسها، تشير هذه الإجراءات التشريعية إلى أن الرئيس بوتفليقة سيستمر في تطبيق أسلوبه التقليدي في إدارة النتائج بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية للمشاكل التي تعاني منها الجزائر - وبالتالي تجنُّب الإصلاح الضروري جداً لمنظومة الحكم في البلاد.
 
صعوبات اقتصادية

شهد الاقتصاد الجزائري إجراءات مهمة لإعادة الهيكلة والإصلاح منذ ثمانينات القرن الماضي. لكن بعد انقضاء أكثر من عقدَين، لم يعرف الأداء الاقتصادي تغييراً يُذكَر. بالفعل، وعلى الرغم من أن البلاد تتمتّع بدرجة من الاستقرار المالي - لاسيما بفضل الإيرادات النفطية - لايزال الاقتصاد يعاني من الركود.

يتبع الاقتصاد الجزائري إلى درجة كبيرة توجيهات الدولة وليس قوى السوق الحرة. لقد سعت المنظومة الإدارية السياسية التي أنشئت بعد استقلال الجزائر في العام 1962 إلى إرساء مثال أعلى يوطوبي مستوحى من اقتصاد السوق. وأملت الحكومة بتفادي اللامساواة التي تتسبّب بها السوق، لذلك كان من الضروري مراقبة الإنتاج وتوزيع السلع والخدمات عن كثب وفرض تنظيمات مشدّدة عليهما. لكن النموذج الذي لايزال سائداً حتى يومنا هذا لم يحل دون حدوث اللامساواة، لابل ساهم في تفاقمها. فقد غذّى هذا الاقتصاد الريعي الفقر والهدر والفساد، وأحبط النمو الاقتصادي العضوي الذي لايستند إلى الإيرادات النفطية.

على الصعيد السياسي، حمى النظام الجزائري نفسه من ظهور قوى سياسية منافسة ومجتمع مدني يتمتع باستقلال ذاتي عبر فرض حظر مباشر على مختلف أشكال النشاط السياسي التي تحدث خارج أجهزة الدولة. وليس انتشار الفضائح - لاسيما في القطاع المالي والأسواق العامة - والحرمان من التمثيل السياسي والنقابي الحر، وحظر التظاهرات العامة، والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، سوى خير دليل على الانهيار السياسي الذي تعاني منه البلاد.

 أخيراً، خلافاً لما يقوله بعض المحلّلين، ليس المجتمع الجزائري محصّناً من الاضطرابات التي تتفشّى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. فثورة الياسمين في تونس، وسقوط مبارك ومن ثم مرسي في مصر، وإطاحة النظام الليبي عن طريق العنف، والنزاع السوري، كلها أحداث تُظهر بوضوح أن التطلّعات إلى حياة أفضل تشكّل واقعاً سوسيولوجياً أساسياً بالنسبة إلى شعوب هذه المنطقة. وليس بإمكان المجتمع الجزائري أن يبقى إلى ما لانهاية على هامش هذه التطوّرات التاريخية<span dir="LTR" 16pt;="" line-height:="" 24.533334732055664px;="" font-family:="" arial,="" sans-serif;"="" style="margin: 0px; padding: 0px; border: 0px; outline: 0px; vertical-align: baseline; background: transparent;">.
 









0 تعليق ل ماذا يحمل المستقبل للجزائر؟ هل يحمل التغيير "رجل العمل القذر"

أضف تعليق


البحث في الأرشيف

البحث بالتاريخ
البحث بالصنيفات
البحث في الموقع

البوم : صور