هكذا يُؤجج وباء "الإيبولا" نار العنصرية ضدٌ الأفارقة في المغرب
زنقة 20 . DW
وباء إيبولا هو ليس فقط وبالا على صحة سكان الدول الإفريقية، بل تحول إلى "مبرر" للعنصرية ضد أصحاب السحنة السمراء في المغرب. بعض المغاربة يعمدون إلى تجنب مهاجرين وافدين من إفريقيا جنوب الصحراء خوفا من الوباء.
قطار مزدحم عن آخره لدرجة أن الركاب قد التصقت أجسادهم بسبب شدة الازدحام، هذا المشهد الذي أصبح اعتياديا في قطارات المغرب تخلله منظر غريب، مواطن يبدو من سحنته أنه وافد من إفريقيا جنوب الصحراء وقد جلس بمفرده وأمامه ثلاثة مقاعد فارغة، لم يحاول أي من المسافرين الإقتراب منها، والسبب في ابتعاد المسافرين من هذه المقاعد، هو الخوف من أن يكون هذا الشاب يحمل فيروس إيبولا القاتل.
نقترب من هذا الشاب ونسأله عن تفسيره لهذا التصرف فيجيب حيدو كامارا القادم من دولة كوت ديفوار "لقد اعتدت على هذه التصرفات منذ ظهور فيروس إيبولا وأصبح الجميع يتحاشى الإقتراب مني أو إطالة الحديث معي لأنهم يخافون أن أكون مصابا بإيبولا" يقول كامارا الذي يشتغل كعامل نظافة في إحدى المقاهي في الدار البيضاء.
الشاب الإيفواري صرح لـ DW عربية على أنه كاد يفقد عمله بسبب الخوف من هذا الوباء "في الكثير من الأحيان كان رئيسي في العمل يلمح لي بأن الزبناء لا يرتاحون وأنا موجود، لهذا اضطررت لأن أغير من توقيت عملي وأشتغل في الليل حيث يقل عدد الزبناء" يقول كامارا وعلامات الأسى بادية على محياه وهو يغالب الدموع حتى لا تنهمر من مقلتيه.
وباء يؤجج نار العنصرية
لم تكد تهدأ حمى أحداث المواجهات بين المواطنين الأفارقة والمغاربة في شمال المغرب والتي كانت لها خلفيات عنصرية، حتى ظهر وباء إيبولا الذي بدأ في حصد أرواح مواطني عدد من الدول الإفريقية ونظرا لكون المغرب أصبح يستقبل عددا كبيرا من المواطنين الوافدين من إفريقيا جنوب الصحراء، فقد خلف هذا الوباء حالة هلع في صفوف المغاربة، هذا الهلع تمت ترجمته من خلال تصرفات مسيئة للمواطنين الأفارقة، وتتذكر أميناتو كيتا وهي القادمة من غينيا كيف أن سائق الأجرة رفض أن يصحبها إلى وجهتها، "كنت في محطة سيارات الأجرة وما إن حاولت فتح باب سيارة الأجرة لأصعد حتى قام سائق السيارة بغلق الباب وقالي لي إيبولا ابتعدي عني"، تقول أميناتو ذات الـ 24 ربيعا وهي تفرك يديها من شدة الخجل من هذا الموقف.
أميناتو أكدت في حديثها لـ DW أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها لمثل هذه المضايقات بل إنها اعتادت في كل مرة تمر قرب مجموعة من الشبان، أن يتهكموا عليها "مرددين إيبولا اذهبي إلى بلدك لا نريد أن نموت" حسب رواية هذه الشابة الغينية.
حدث آخر أثار الكثير من الجدل ولا يزال، وهو قرار المغرب تأجيل استضافة كأس إفريقيا للأمم المزمع تنظيمها شهر يناير المقبل وذلك تخوفا من دخول الوباء مع تدفق مشجعي الدول الإفريقية على المغرب، قرار سانده الكثير من المواطنين، غير أنه تحول لدى البعض إلى مبرر للعنصرية ضد المواطنين الأفارقة، "ليس هناك كأس إفريقيا لا نريدكم ولا نريد منتخباتكم" مازال صدى هذه الجملة يتردد في ذهن مامادو كوني الشاب القادم من مالي من أجل متابعة دراسته في مجال التسيير، حيث سمعها من زميل له في المدرسة عندما كانا يتحدثان عن قرار المغرب تأجيل تنظيم كأس إفريقيا للأمم، "لقد آلمتني الجملة كثيرا خصوصا وأننا أصدقاء لأكثر من سنتين" يقول مامادو قبل أن يطلق زفرة طويلة وكأنه يحاول التخلص من ثقل هذه الجملة.
المغاربة بين مستنكر ومبرر
إذا كان عدد من المهاجرين الأفارقة قد عبروا عن أسفهم لما جلبه عليهم هذا الوباء من تصرفات عنصرية في حقهم، فإن عددا من المغاربة أكدوا أن وباء إيبولا قد زاد من جرعة العنصرية لدى المغاربة، فمنهم من استنكره ومنهم من اعتبر أن هذا السلوك "له ما يبرره"، ولكن يظل هؤلاء نسبة محدودة في المجتمع المغربي، كما يقول خبراء.
وبالنسبة للصحافي المتخصص في الشؤون الإجتماعية ناصر الكواي فإن المواطن المغربي "بحكم المتابعة اليومية للأخبار الدولية، ومعايشتنا اليومية لما تتداوله الصحف، وباقي وسائل الإعلام وما تلوكه ألسنة الناس، يمكننا التسليم بأن "إيبولا" أصبح وجها مفضوحا من وجوه العنصرية" يقول ناصر الكواي الذي استنكر التصرفات العنصرية ولا يجد لها أي مبرر.
ومن جهته اعتبر الإذاعي المغربي أنس عياش أن سلوك المغاربة هو "رد فعل طبيعي" على حد قوله لأنه "أمر عادي أن يأخذ الناس الاحتياطات إزاء انتقال العدوى، وقد تكون وسائل الإعلام هولت من مسألة انتشار الفيروس لذلك"، حسب تصريح أنس عياش لـ DW.
"العنصرية سببها الجهل"
ونظرا لأن الخوف لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبرر العنصرية ضد الأجانب، فقد صب الناشط الحقوقي أحمد المدياني جام غضبه على "الجهل المعشش في عقول أغلب المواطنين وهو ما يجعلهم يربطون مباشرة بين إنسان أسود وبين المرض".
وأضاف الحقوقي المغربي أن "على المغاربة أن يعلموا بأن هذا المرض لا يفرق بين أبيض وأسود"، كما حمل المدياني المسؤولية لوسائل الإعلام التي "لا تقوم بواجبها من أجل تقديم المعلومات الكافية للمواطنين عبر برامج ولقاءات توعية وكيف يمكن أن ينتقل هذا المرض".
المدياني الذي سبق له أن أنجز عددا من الأبحاث الميدانية عن العنصرية في المغرب قال إن البعض "اتخذ من هذا الوباء مطية من أجل نفث سمومه العنصرية وهذا ما قد يعرض سلامة المواطنين الأفارقة للخطر".