من قلب الحدود المغربية الجزائرية.. عسكر الجزائر وحكاية "عشرة فعقل" (فيديو)
زنقة 20
هنا الحياة قاسية. رُحّل يعيشون مع ماشيتهم في خيام في شبه صحراء قاحلة في منطقة أولاد سيدي عبد الحاكم نواحي مدينة عين بني مطهر، القريبة من الحدود الجزائرية. ما يزيد قسوة العيش في المنطقة تصرفات عسكر الجارة الجزائرية وليس طبيعة المناخ.
من خيمة إلى أخرى، ومن قصة مؤثرة لمعاناة الرحل مع الجيران إلى قصة أكثر فضاعة، لم تنتبه بعثة «كيفاش» إلى أنها في منطقة محضورة، ولا يفصل بينها وبين أول نقطة مراقبة حدودية جزائرية سوى 200 متر.
ونحن على الطريق، لمحنا غبارا يتطاير في كل مكان يتجه نحونا من الخلف. ثوان معدودة سيارة عسكرية رباعية الدفع تقطع عنا الطريق. ينزل عسكريون مغاربة، أحدهم يحمل سلاحه. تقدم قائد المجموعة، والدهشة بادية على محياه، وخاطبنا: «شكون نتوما؟ واش مغاربة؟».
بعد التأكد من هويتنا، صرخ العسكري: «واش بغيتو يضربو عليكم القرطاس؟ عسكر الحدود الجزائريين راه ما كيتفاهموش، رجعو منين جيتو».
«القرطاس» بلا سبب…
العسكري المغربي، الذي كان خائفا أن يصيبنا رصاص الجيران، يعي جيدا ما يقول، فأفراد الجيش الجزائري يطلقون الرصاص قبل أن يفكروا في العواقب. يحكمون لغة العنف قبل لغة العقل، وهو ما استقيناه من سكان المنطقة الحدودية التي تبعد بما يناهز 30 كيلومترا عن عين بني مطهر، أي حوالي نصف ساعة.
العسكري، الذي تنفس الصعداء بعد إيقافنا، حكى لنا قصصا كثرة عن الحوادث التي يقف وراءها الجيش الجزائري، كانت آخرها إطلاق النار على سيارة مغربي تاه في الصحراء، وحكم عليه بسنة سجنا، رغم أنه لم يتعدى الشريط الحدودي المغربي الجزائري. حكاية أكدها لنا العديد من سكان أولاد سيدي عبد الحاكم.
الجيش الجزائري لا يكتفي بإطلاق النار على البشر والسيارات، بل يقتل ويحجز حتى ماشية الرحل. الكسيبة اللي فاتت الحدود عمرها ترجع. وهو ما رواه لنا مصطفى، أحد سكان المنطقة، الذي يحكي أن الماشية التي تتيه في الصحراء وتدخل التراب الجزائري لا تعود أبدا، فالجيش يضع عليها يده إن لم يقتلها. ويقول: «واحد السيد في المنطقة
مشات ليه الماشية ديالو للجزائر ومشا وقف وطلب عليها باش يرجعوها ليه، هو الوحيد اللي قدر يرجع رزقو، أما اللي سبقوه فإما كيقتلوها ليهم أو كيديوها، وهاد الأمر كيوقع تقريبا جوج مرات في العام، وواحد على قبل الغنم ديالو ضربوه بخمس سنين ديال الحبس».
الغريب في الأمر، أو المضحك في الأمر إن صح التعبير، أن الماشية صارت تعرف مكان الحدود الجزائرية ولا تتعداها، كأنها تعي جيدا المصير الذي ينتظرها.
الاعتداء على البشر والحيوان أمر عادي عند الجيش الجزائري، وهي حوادث تقع باستمرار على الحدود، وقائع أكدها العسكري المغربي، الذي أخذنا إلى الثكنة العسكرية للتحقق من هويتنا. هناك خاطبنا متسائلا: «واش ما خفتوش؟ واش ما شفتوش آش وقع هاد ليام في ولاد صالح، والدري اللي طلقو عليه الرصاص؟ راهم ما كيرحموش».
الصالحي ماشي الأول
قضية رزق الله الصالحي، الذي أطلق عليه الجيش الجزائري الرصاص في منطقة أولاد صالح، القريبة من مدينة بني درار، ضواحي وجدة، كان الدافع وراء انتقال بعثة «كيفاش» إلى عين المكان، لكن بالوصول إلى المنطقة ظهرت حالات كثيرة عانت ظلم عسكر الجيران، الذي يطلق الرصاص على مواطنين فوق التراب المغربي.
محمد الصالحي، والد الضحية رزق الله الصالحي، حكى، في لقائه مع الموقع، مجموعة من الحوادث التي وقعت على الشريط الحدودي، انطلاقا من حادث ابنه، الذي كان يحرث أرضه واعتدى عليه الجيش الجزائري بثلاثة رصاصات أصابته واحدة منها، وصولا إلى الاعتداء الذي تعرض له العديد من سكان المنطقة.
ويحكي والد الصالحي قائلا: «أنا ولدي ماشي هو الأول اللي وقع ليه هاد الشي، ولد عمي ضربوه بالرصاص لرجلو وهو كيقطع الكرموص الهندي، وواحد جاري ضربوه لفخضو.. راه كيلعبو بالرصاص، وملي مكيلقاو ما يديرو بيه كيضربوه في السما، واش ما كيفكروش أن هاد الرصاص راه كيطيح عند المغرب».
كيلعبو بالرصاص. ما عندهم غرض في القرطاس. ما كيراعويش لحق الجورة. أشياء أكدها عمر بوهراوة، رئيس الجماعة القروية لأهل انكاد، التي تتكون من مجموعة دواوير متاخمة للشريط الحدودي. بوهراوة أوضح أن مسؤولي الجيش الجزائري لا يطبقون مراقبة على الدخيرة، عكس الجيش المغربي الذي يحتم تقريرا مفصلا عن كل رصاصة أطلقت. ويقول: «الجيش الجزائري راهم دشرة في عقل، كيضربو القرطاس حيت ما عندهمش المراقبة، وكيجيبو دراري صغار للحدود يدوزو الخدمة الإجبارية، وهاد الدراري ما كيهمهمش أرواح الناس».
المسؤول أكد في أكثر من مرة أن الجزائريين والمغاربة يتبادلون الزيارات، وأن العلاقات بينهم لا تعكرها تصرفات العسكر الجزائري.
شعب واحد والعسكر كيفرق
في منطقة أولاد صالح قصص، وصفها مسؤول أمين رفيع المستوى، بالغريبة عن أي وافد جديد على المنطقة. تبادل الزيارات، حضور الأفراح والجنازات، وغيرها من الحالات تؤكد أن الشعبين تربطهما علاقات وطيدة، لا يمكن أن تنهار بتصرفات طائشة.
الأمني، الذي تحفظ عن كشف اسمه، حكى لـ«كيفاش» قصة غريبة جدا، ففي يوم وهو يقوم بجولته اليومية على الحدود، استوقفه شخص يحمل كيسا بلاستيكيا، فسأله عن سبب خروجه في هذا الوقت من الليل، فكانت إجابته: «أنا جزائري وكنت كنتفرج في ماتش ديال الكرة وبين الشوطين دخلت للمغرب نشري الزريعة وراجع نكمل الفراجة».
وهذه ليست القصة الوحيدة التي طبعت ذاكرة هذا المسؤول، بل يحكي أنه صدم، خلال أيام خدمته الأولى في المنطقة، حين حضر عرسا واكتشف أن من بين الضيوف جزائريون، قادمون بالسكر وخرفان مشوية كهدايا لدار العرس.
قصص كثير تجمع الشعبين في منطقة أولاد سيدي عبد الحاكم كذلك، حيث إن الرحل يحنون إلى زمن جميل، كانوا يعيشون فيه بين المغرب والجزائر، دون أدنى مشكل. وهو ما يتذكر جيدا أحد شيوخ المنطقة، الذي تكلم بأسى شديد عن ماضي يتمنى أن يعود، حيث لم يكن يفصل بين المغرب والجزائر لا خندق ولا سياج. ويقول: «حنا كبرنا هنا، وأرضنا من زبوجت مولاي إسماعيل في الجزائر، كنا نمشيو ونجيو، وما كانش الحدود كان غير الديوانة، ولكن اليوم تبدل الوضع».
مغربي يتحدر من الجزائر، وجزائري يتحدر من المغرب، يمكن أن يكون الأمر غريبا لكن هذا واقع المناطق التي تقع على «الشرطة»، أي على الشريط الحدودي. واقع يسخر منه أحد سكان الدغمائية بالقول: «هوما قراب لينا من عين بني مطهر، وكنشمو الطياب ديالهم، ولكن جورت الهبيل هي هادي، الهبيل عمرك تعاشرو».