باحثون يُشخصون واقع المدينة المغربية ويتدارسون سُبل الرقي بها
زنقة 20
في الوقت الذي تشهدُ فيه المدينة المغربية تحولات عميقة (ديمغرافية، بيئية، و سوسيو -اقتصادية)، أثرت على حياة الأفراد والجماعات وسارت تفرض تعاطي عقلاني مع تنظيم وتدبير مجالات العيش المشترك، تمَ على هامش دورة المجلس الوطني لمنتدى الوطني للمدينة، تنظيم مائدة في موضوع: المدينة من التدبير التمثيلي إلى الحكامة التشاركية، تم خلالها مناقشة مستقبل المدينة المغربية وتدبيرها من تساؤلات وتحديات.
وإنصبت جل المداخلات على ضرورة فهم هذه التحولات وتقييم تجارب التدبير التمثيلي للمدينة كشكل من أشكال الديمقراطية التمثيلية، في أفق تحقيق حكامة جيدة في التدبير. وهو ما يتطلب نهج مقاربة جديدة تتحدد في المقاربة التشاركية، وذلك من خلال الأخذ بعين الاعتبار لكل أشكال المبادرة الوطنية في تسيير وتدبير المدن، انطلاقا مما نص عليه الدستور من مقتضيات تخص التدبير التشاركي على مستوى المدن.
مُفيد يحث على تمكين المغاربة من المعلومة
ركزَ أحمد مفيد الأستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، في معرض مُداخلته، على مقومات الحكامة الترابية وأهدافها وكيف أن دستور 2011 قد أعطى لهذه الأخيرة نفسا قويا، كآلية من آليات تدبير ممارسة السلطة السياسية و تدبير شؤون المجتمع مع تدبير جيد للموارد قصد تحقيق التنمية العامة المجالية وحماية حقوق المواطنات والمواطنين.
ثم انتقل بعد ذلك للحديث عن مبادئ الحكامة (كالمشاركة والتفويض و التنسيق و الفعالية والتعاون و المصداقية) وأهدافها المتمثلة في تحقيق وحدة ترابية شاملة وخلق التوازن بين الجهات و إشراك السكان في التسيير و التدبير و تنمية العالم القروي و تقريبه من المجال الحضري و تكريس المصداقية و الشفافية و الرقابة والانتقال من الرقابة إلى المواكبة، ثم إعمال آليات المحاسبة البعدية و التقييم الدائم لأعمال الجماعات الترابية و تأهيل الاقتصاد الوطني و ضرورة توفير المعلومة و تمكين المواطنات والمواطنين من الحصول عليها كما تضمنها دستور 2011.
وأكد في ختام كلمته على الانتخابات النزيهة والحرة وعلى تكريس حق المواطن في تقديم ملتمسات وعرائض في مجال التشريع، وخلص إلى كون الحكامة ليست ترفا، و لكنها شرط أساسي لضمان تدبير ديمقراطي و تحقيق عدالة ترابية تحقق العدالة الاجتماعية.
بوزلافة يتسائلُ عن مدى إحترام المؤسسات الأمنية لكرامة المواطنين
ومن جهته ركزَ محمد بوزلافة الأستاذ القانون الجنائي، والعلوم الجنائية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، والمسؤول عن ماستر القانون الجنائي وعلم الاجرام بنفس الجامعة، على إشكاليات محددة مرتبطة بالديمقراطية التشاركية المحلية، حيث تناول بوزلافة هذه المسألة من بوابة الحكامة الأمنية.
واعتبر أن هذه الأخيرة تتلخص في استحضار المواطن في صلب العملية الأمنية، معتبرا أن الغاية من ذلك هو تحقيق المصالحة بين الأمن والمواطن من خلال جعل هذا الأخير شريكا في تدبير العملية الأمنية المرتبطة بهمومه اليومية، واعتماد المقاربة الحقوقية.
كما تساءل محمد بوزلافة،عن مدى احترام المؤسسات الأمنية لحقوق و كرامة المواطنين، مؤكدا على ضرورة التوفيق بين الأمن و الحقوق، و هو ما أبان نجاعته في حل مشاكل الشغب في الملاعب مثلا.
وتحدث بوزلافة أيضا عن المجلس الأعلى المرتقب للأمن كرهان أساسي من أجل تحقيق الحكامة الأمنية إنجاح الانتقال من مفهوم الضبط الأمني إلى الوقاية من الجريمة.
المنوزي يدعو إلى عقد ميثاق حول العدالة الاجتماعية
في مقابل ذلك تبنى المصطفي المنوزي، المحامي بهيئة الدار البيضاء ورئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة و الانصاف، قراءة نقدية في مسألة السياسة الحضرية معتبرا أن الإشكال الحقيقي يبقى في تبعية الشأن المحلي للدولة التي كانت ولازالت متحكمة في هندسة السياسة الحضرية، معتبرا أننا في حاجة لميثاق حول العدالة الاجتماعية حتى لا تبقى السياسة الحضرية أداة في يد السلطة و حتى يتم استبدالها بأداة للتنمية.
كما ذكر بتجربته كمستشار جماعي و بضرورة تحديد مسؤوليات الفاعلين في السياسات الحضرية التي تبدو فوقية و لكنها في الواقع ليس كذلك. و تحدث عن مهندسو التراب الوطني و ملاكو الأراضي و المواطنون الموجودون في الهوامش و الذين هم في حاجة ملحة لتعاقدات و تسويات و أحيانا إلى نوع من الاحتضان البيني.
وتساءل المنوزي عن دور الطبقة الوسطى والنخب المالية و دورهما في التعجيل بخلق ميثاق العدالة الاجتماعية كي لا تظل السياسة الحضرية أداة في يد السلطة.
خمري يُبسط المداخل الدستورية لمشاركة المواطنين في تدبير الشأن العام
مداخلة سعيد خمري أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، إنصبت على المداخل الدستورية لمشاركة المواطنين في تدبير الشأن العام، وقسمها إلى مقتضيات مباشرة وأخرى غير مباشرة مؤكدا أن الإشكال الحقيقي يبقى مرتبطا بإعمال وتأويل النص الدستوري.
كما اعتبر أن المشاركة هي أحد المرتكزات الأساسية للدولة الحديثة وهو ما جاء في تصدير الدستور، وأن الاختيار الديمقراطي للمغرب ضمن المسار السياسي يقتضي التزام المغرب بحماية حقوق الإنسان بما فيها حرية تأسيس الأحزاب والنقابات و حرية تأسيس الجمعيات.
واعتبر خمري أن دسترة الديمقراطية التشاركية كمبدأ أساسي ضمن المنظومة الإصلاحية التي ما فتئ الفاعل السياسي يطالب بها، موضوع يهم كل مكونات المجتمع الداعمين للمشاركة السياسية للشباب المغربي.
ومن أجل تعزيز المناخ الديمقراطي، ربط المتدخل الحكامة والتشاركية بالمشاركة والإشراك و توسيع نطاقهما حتى يشمل كل الفاعلين في ممارستهم من أجل تطوير جماعتهم و مدنهم، وحتى تعطى الفرصة للطاقات للمساهمة في مجال تدبير الشأن العام المحلي.
بولاس يدعو إلى قانون يُساير مشاركة النساء والشباب في التسيير الجماعي
من جهته ركز حميد بولاس الأستاذ باحث بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، ومسؤول ماستر الحكامة وسياسة الجماعات التربية، على مسألة الديمقراطية التشاركية على الصعيد المحلي من خلال قراءة في مسودة القانون التنظيمي للجماعات الترابية مع التركيز على الجماعات الحضرية والقروية.
كما اعتبر أن المشاركة يجب الارتقاء بها إلى مشاركة فعلية في القرار المحلي، وأن قانون الأحزاب على مستوى الجماعات المقاطعات يجب أن يساير مشاركة النساء والشباب في التدبير والتسيير الجماعي، معربا عن أمله في القانون التنظيمي الذي ينص صراحة على مشاركة المرأة في التمثيلية في حدود الثلث في أفق تحقيق المناصفة.
العومري: تغييب النساء يأتي بسبب الصورة النمطية للمرأة
ومن جانبها تناولت العومري تورية خبيرة في النوع الاجتماعي، إشكالية تدبير المدينة من زاوية المشاركة النسائية. و اعتبرت أن الهدف من الديمقراطية التشاركية هو المشاركة في صنع القرار ملاحظة في هذا الصدد أن التمثيلية النسائية قد تكون ارتفعت ولكن دون أن تسمح للنساء بالمشاركة في صنع القرار السياسي كأساس للمشاركة أكثر من المقاربة التشاركية.
وإعتبرت أن تغييب النساء يأتي بسبب الصورة النمطية للمرأة و يأتي لعدم و جود قناعات بالدور الذي يمكن أن تقدمه المرأة داخل المجتمع في المجال السياسي على وجه الخصوص.
التايقي يُثير معضلة الحق في الوصول إلى المعلومة
أما حسن التايقي الأستاذ الباحث والإطار في مجلس المستشارين، فقد أثارَ الانتباه إلى معضلة الحق في الوصول إلى المعلومة وعلاقة ذلك بالرفع من إسهام المواطنين في تدبير الشأن العام المحلي مؤكدا في هذا الإطار على إيجابيات دستور 2011 في فتح بوابة التداول العمومي.
كما ركز في مداخلته على أن مستقبل المدينة مرتبط بمداخل أساسية من أجل تعزيز الإطار المؤسساتي لدعم المراكز الجهوية للحسابات وتفعيل الدور الجهوي للهيئة الوطنية للرشوة، والدور الجهوي لمؤسسة الوسيط و تحديث نظام الوصاية و الرقابة، مُعتبراً أنَ التنزيل السليم والديمقراطي للدستور هو المدخل الأساسي لمستقبل المدينة.
المريزق: المدينة ليست حصرية على فئة ما
وذكر رئيس المنتدى الوطني للمدينة، المريزق المصطفى، في معرض كلمته الختامية بمبادئ و أهداف المنتدى وبأهميته كمؤسسة للمساعدة على أخذ القرار، و كمجال للتكوين و النشر و التعريف بعالم المستقبل الذي سيكون عالما حضريا بامتياز.
وإعتبرَ أن المدينة ليست حصرية على فئة ما، و لا يمكن أن تكون تعبير لتيار سياسي دون الآخر أو لجمعية من جمعيات المجتمع المدني دون أخرى.
كما تحدث عن مشاريع المنتدى في المستقبل و ضرورة إشراك الجميع من باحثين و طلبة و مهندسين و معماريين ومقاولين و منتخبين و فاعلين سياسيين و جمعويين و مثقفين و رياضيين و فنانين، نظرا للآفاق الكبيرة التي تتسع رقعتها نتيجة التحديات الديمغرافية و البيئية و الاجتماعية و الاقتصادية و العمرانية و التدبيرية.
و في هذا الصدد، أشار رئيس المنتدى الوطني للمدينة أن هذه المؤسسة تعبر عن إرادتها في حمل كل أسئلة و قلق المائدة المستديرة و المجلس الوطني للمؤتمر العالمي الثالث للتفاعل مع كل المبادرات الوطنية و الأجنبية المتعلقة بتدبير المدن و بتجارب الفاعلين المحليين، و هو ما يتطلب إستراتيجية و استثمار و جهد للمساهمة في الإجابات المطلوبة و طنيا و محليا.