تارودانت .. قبلة 'هَيلولة' ألاف اليهود لـ'دفع البلاء وتحقيق الأماني'


زنقة 20 . الأناظول

تنتعش تجارة الشموع بالمغرب هذه الأيام تزامنًا مع احتفالات “الهيلولة” الدينية التي يعتقد الزوار اليهود الوافدون للبلاد من مختلف بقاع العالم أنها تدفع عنهم البلاء وتستجلب البركة والرزق.

والاحتفاء بليلة الهيلولة يتم في يوم 3 “طبيبط” حسب السنة القمرية اليهودية منذ أكثر من قرنين من الزمن من قبل يهود المغرب في العالم، وتصادف هذا العام ليلة الـ26 من ديسمبر/ كانون أول الجاري (ليلة الأربعاء الخميس).

وهناك نوعان من الشمع يروّجان في موسم الهيلولة الديني، الأول أبيض ثمنه 10 دراهم (دولار وربع تقريبًا) يحرق، والثاني ملون ويعتقد مغاربة أنه يجلب الرزق والبركة ويدفع البلاء ويهدى للأصدقاء والجيران، وقد يصل ثمنه إلى 20 ألف دولار أو أكثر بعد عرضه في مزاد أمام ضريح الحاخام داود بن باروخ هاك كوهي، في قرية تينزرت القريبة من مدينة تارودانت (جنوب غرب).

بالقرب من ساحة الضريح، شرع إيلي كوهن، يهودي مغربي يقطن بمدينة فاس المغربية (شمال) في تسويق منتجاته للزوار.

يقول كوهن لمراسل الأناضول: “هناك نوعان من الشمع يروجان في موسم الهيلولة، الأول أبيض وسعره بمتناول الجميع (10 دراهم) يُحرق، والثاني ملون يجلب الرزق والبركة ويدفع البلاء”.

ويضيف كوهن: “هذه الشموع (الملونة) يقتنيها زوار الموسم من اليهود وغير اليهود لفائدة أسرهم وعائلاتهم وأحبابهم من داخل المغرب وخارجه، بسعر يصل إلى 200 درهم (25 دولارًا تقريبًا)”.

الشمع الملون، حسب رواية البائع إيلي كوهن، مكتوب عليه بالعبرية “اسم الضريح الحاخام داود بن باروخ هاك كوهي وكذا عبارة للشفاء”.

إيلي كوهن  (73 عامًا)، قال إنه “يأتي إلى هذا الضريح كل عام، ومنذ  ثماني سنوات، يسوق شموعه من أحجام وألوان مختلفة، بعضها في قالب مزركش، ليمكن اليهود الوافدين لما قد يطلق عليه حجا للضريح من اقتناء هدايا وبركة موسم الهيلولة”.

وبحسب مراسل الأناضول فإن هناك إقبالا كبيرا على اقتناء هذه الشموع.

اليهودية الفرنسية ذات الأصل المغربي، صولانج بوختال (68 عاما)، اشترت من إيلي كوهن شموع الضريح بقيمة تجاوزت ألفي درهم (250 دولارًا)، وشرعت في توزيعها على المغاربة الذين حلوا بالمكان لنيل بركة المقام، بعد أن أحرقت بعضا منها بالموقد الوحيد في مقبرة الضريح.  تقول صولانج بوختال للأناضول: “ثلاث شمعات بيضاوات ستحقق لك أمانيك في الزواج إن كنت عازبًا، وترزقك الأبناء إن كنت عاقرًا، وتمنحك الصحة والمعافاة إن كنت مريضًا”.

وتضيف: “يكفي فقط أن تطلب ولي الضريح وترمي الشمعات الثلاث في الموقد مع حسن النية لتتحقق أمانيك”، وهي التي دأبت على زيارة الضريح لأكثر من 40 عامًا.

بدورها، اشترت سيلفيا بنيس، يهودية مغربية مقيمة في باريس، شموع “البركة” من الضريح بما يناهز 1500 درهم (187 دولارً)، نصفها من اللون الأبيض رمته بمعية أبنائها وزوجها في محرقة موقد الضريح.

تقول بنيس لمراسل الأناضول: “رمي الشمع الأبيض في موقد النار غايته قضاء الحوائج وإبعاد الضرر عني كيفما كان مصدره أو جهته تبركا بالولي الصالح داود بن باروخ هاك كوهي”.

وتشرح قائلة: “الشمع الملون بركة الولي سأحمله معي إلى فرنسا، كي أهديه إلى عائلتي وأحبائي وأقربائي وجيراني، حتى لا يحرموا من بركة المقام والزيارة”.

ومن بين أغلى الشموع ثمنًا، تلك التي تباع على قبر الضريح، ثمن العلبة الواحدة المكونة من ثلاث شمعات بيضاء من الحجم الكبير 100 درهم (12 دولارًا ونصف الدولار) بحسب ما رصده مراسل الأناضول بفناء ضريح الحاخام.

هذه الشموع ذات اللون الأبيض معلبة طويلة الحجم، ومكتوب عليها بالعبرية اسم الحاخام دفين الضريح، لها رمزية خاصة، وقيمة كبيرة، يعهد إلى حزان (رجل دين يهودي مأذون له بالذبح) ببيعها على قبر الحاخام والدعاء لمقتنيها.

الإقبال على شموع الضريح يتزايد مع الاحتفاء ليلة الهيلولة (صادفت هذه السنة ليلة أمس الخميس- الجمعة)، فكلما اقترب موعد هذه الليلة، كلما ارتفع سعر الشمع.

وتنطلق مراسم الاحتفال بإيقاد 8 شمعات، بواقع شمعة عن كل يوم (قبل موعد الاحتفال) في “حانوكا” (مجسم في ساحة الضريح به تسع شمعات)، أما التاسعة فتوقد ليلة الهيلولة.  ودلالة “حانوكا” التاريخية، بحسب الحاخام ألبير داغون، المكلف بالتواصل والتنظيم لدى الطائفة اليهودية بالمغرب، “إعادة حرية العبادة للشعب اليهودي بعد حقبة من القهر القاسي، وكفاحه من من أجل حريته والتي حققها رغم التحديات الهائلة”.

وفي ليلة الهيلولة توقد شمعة بيضاء كبيرة الحجم على قبر كل يهودي من القبور الـ 140 بالضريح، والتي يتم اقتناؤها من عين المكان، حتى تنتقل البركة إلى جثامين أجدادهم من اليهود المدفونين بالموقع، بحسب ألبير داغون.

ويتم التنافس على آخر شمعة وضعت على قبر الضريح، والتي قد يناهز ثمنها 150 مليون سنتيم مغربية ( 18750 ألف دولار) تخصص قيمتها لصيانة مرافق الضريح ونفقاته.

وموازاة مع إيقاد الشموع بالقرب من مقام الضريح، يستغرق الزوار اليهود بخشوع في الدعاء والتبتل، قبل أن يلتئموا في الليل في قاعة مجاورة حيث يقام حفل العشاء المصحوب بأغاني جُلها من أصول مغربية، يُغنى بعضها بالدارجة بجانب قليل بالعبرية.

ويتخلل إشعال تلك الشموع البيضاء وإحراقها أغاني وابتهالات ودعوات من قبيل: “يا رب اغفر لنا فيما فات”، “يا رب  يسر أمورنا نحن وإسرائيل إخواننا”.

وتوفي الحاخام اليهودي، دافيد بن باروخ هاكوهين، عام 1760 ميلادية، ويقع الضريح على مساحة هكتار(1000 متر مربع) به ضريح للحاخام، ويحيط به ما يناهز 140 جثمانا لليهود من أبناء وبنات القرية، وغرف للنوم مجهزة تسع، كل واحدة، أربعة أشخاص، ومطعم كبير”.

يعتبر الحاخام من كبار رجال الدين اليهود بالمغرب، وزيارة ضريحه في المناسبات الدينية اليهودية ترتبط أساسا باعتقاد زواره بالبركة التي تحيط بالمكان، وبقدرة روحه على تحقيق أمانيهم.

وأغلب من يزورون الضريح هم من أصول مغربية، هاجر أجدادهم نحو مختلف دول العالم.

لا توجد إحصاءات رسمية، عن عدد الأقلية اليهودية في المغرب ولكن المتداول أن نسبة اليهود حاليا لا تتجاوز 2% أي عددهم يقدر ببضع مئات.

وكان عدد اليهود في المغرب عام 1940يناهز 250 ألف قبل أن يهاجروا إلى أوروبا وشمال أمريكا وفلسطين.  وفي سنة 1960 صدر قرار من الحكومة المغربية بعدم إسقاط الجنسية عن اليهود الذين هاجروا من قبل، لهذا فقد ظل المهاجرون مرتبطين بالمغرب ويزورونه باستمرار، خاصة في المناسبات الدينية.









0 تعليق ل تارودانت .. قبلة 'هَيلولة' ألاف اليهود لـ'دفع البلاء وتحقيق الأماني'

أضف تعليق


البحث في الأرشيف

البحث بالتاريخ
البحث بالصنيفات
البحث في الموقع

البوم : صور