الجزائر تفشل في مُحاصرة الدور المغربي والحكم الذاتي في الأزواد
بقلم : علي الأنصاري
تبدأ في الجزائر العاصمة جولة اخرى من المفاوضات بين اطراف الازمة المالية، وتعتبر هذه الجولة هي الخامسة، والتي كان من المفترض اجراءها في اوئل سنة 2015، للتوقيع على اتفاق ينهي الصراع بين الحكومة المركزية في باماكو وحركات الازواد التي تمثل سكان الشمال عربا وطوارق.
الحوار الدي ترعاه الجزائر يشارك فيه ممثلون عن الامم المتحدة و الاتحاد الافريقي والمنظمة الاقتصادية لدول غرب افريقيا و منظمة المؤتمر الاسلامي دول موريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو.
وكانت حصيلة الجولات الاربع التي عقدت خلال سنة 2014، هزيلة بسبب التحكم الجزائري في الاطراف المتحاورة، ومحاولتها توجيه المفاوضات تارة بضغط على حركات الازواد، وتارة بتقسيمها الى عدة حركات وخلق نوعا من النزاعات المسلحة بينها كما هو الحال فيما يقع في قرية تبنكورت حاليا، حيث تتواجه حركات موالية لمالي والجزائر مع منسيقية الحركات الازوادية ، المطالبة بمنح الاقليم حكما ذاتيا يتيح له تدبير شؤونه المحلية.
بعد التنازلات التي قدمتها المنسقية في الجولات السابقة، من خلال الاتفاق على المبادئ العامة والمتمثلة في الحفاظ على الوحدة الترابية لمالي، والالتزام بالحوار كإطار لحل المشاكل الخلافية، والاجماع على ضرورة مكافحة الارهاب والمجموعات المسلحة، وهي مبادئ فرضها المجتمع الدولي، ترى منسقية حركات الازواد، بأن منح حكم ذاتي للولايات الثلاث في شمال مالي، والمعروفة محليا بأزواد سيحل نزاعا عمر لخمسة عقود وسيحافظ على حدود الدول كما رسمها المستعمر الفرنسي.
مطلب الحكم الذاتي الذي ترى منسقية حركات الأزواد، بأنه لا يمكن التنازل عنه، قد لا يجد معارضة كبيرة من الاطراف المختلفة في مالي، بل ان اطرافا متعددة ترى بأنه قد يعمم على جهات الدولة المختلفة، وسيكون فعالا في الجانب التنموي وسيشرك الاثنيات المختلفة في القرار السياسي والاقتصادي المحلي.
لكن الطرف الراعي للمفاوضات الجزائر، لا ينظر لهذا الطرح بعين الرضى، ولايخدم المصالح الاستراتيجية للدولة الجزائرية "العسكرية"، فكما هو معروف بأن ولايات شمال مالي، كيدال وتنبكتو وغاو، هي امتداد ثقافي واثني وجغرافي لمناطق الجنوب الجزائري في تمراست وعين صالح وغرداية واليزي، بل هناك ترابط اسري وقبلي واقتصادي تجاري ورعوي،ولا تختلف مطالب سكان الجنوب الجزائري عن مطالب سكان شمال مالي، فالحرمان هو الحرمان في كلا البلدين.
لا يخف الجزائريون تخوفهم من منح الازواديين نوعا من الاستقلالية المحلية، والتي لا محالة سيطالب بها سكان جنوبها، وسيعطي شرعية لمطالب القبائل في الشمال بحكم ذاتي، كما ان الازمة الليبية التي تطمح الجزائر للمساهمة في حلحلتها لن تجد لها حلا الا في اطار مشابه يعود بها الى عهد ما قبل القذافي،بالتالي فأن الجزائر محاصر بالحكم الذاتي.
الوضع الميداني
يتسم الوضع الميداني في شمال مالي قبيل جولة الجزائر الخامسة بالتوتر، فبالإضافة الى الصراع البيني بين حركات موالية لمالي والجزائر وتتبنى موقفهما ضد الحكم الذاتي، واخرى تعتبر الحكم الذاتي اقل ما يمكن التوافق علية، يسجل المراقبون عودة قوية للجماعات الجهادية متمثلة في انصار الدين التي يقودها اياد اغ غالي، او الحاج اياد كما يسميه الجزائريون، وحليفتها القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، الكل يؤكد بأن للاوساط العسكرية الجزائرية جورا في تحريك هذه الجماعات للضغط على الحركات الازوادية واعني الحركات الثلاث التي تطالب الحكم الذاتي الحركة الوطنية لتحرير ازواد والمجلس الاعلى لوحدة ازواد والحركة العربية لازواد" بإتهامها بدعم الارهاب .
وبينما يحرك الجزائريون هذه الجماعات تحرك مالي من جهتها جماعة الدفاع الذاتي، وهي مجموعات قبلية يقودها جنيرالات من اصل ازوادي هدفها شق الاصطفاف القبلي والاثني ومعارضة توجهات الحركات الثلاث اعلاه.
وتتكون مجموعات الدفاع الذاتي من " غاتيا تمثل قبائل امغاد ويقودها الجنيرال الهجي، ومجموعة غندا كوي من قبائل السنغاي، وجناح من الحركة العربية لتحرير ازواد مقرب من وزير المصالحة المالية الذهبي ولد سيدي محمد.
الجانب الفرنسي يؤيد الضغط الممارس على الحركات الازواد من قبل الجزائر ومالي معا بهدف التوقيع على اتفاقية في الجزائر ترى الاخيرة انها لن تتجاوز مكسب اللا مركزية لمناطق الشمال.
هناك ضغط اخر يمارس على موريتانيا فمناطق التي استهدفتها القاعدة وانصار الدين "انبالا" تقع على بعد كليو مترات من الحدود الموريتانيا حيث تم السماح للجماعات الاسلامية بالتمركز في غابة غادو التي كان الجيش الموريتاني يتمركز قبل الازمة بمبرر قتال ذات الجماعات، ومعلوم بتزايد نفوذ الجماعات الاسلامية مؤخرا في موريتانيا، خاصة مع النفور الكبير بين الرئيس والمعارضة الديمقراطية، ربما هذا ما جعل الرئيس ولد عبد العزيز مؤخرا يستقبل مسعود بلخير بهدف التوسط من اجل فتح حوار مع المعارضة، والاخيرة تنتقد تعامل ولد عبد العزير مع ازمة مالي خاصة استضافته لقيادات الحركات الاوزادية والسماح لها بالتحرك وممارسة عدد من الانشطة الديبلوماسية.
الدور المغربي في الملف الازوادي
لاشك بأن بلال اغ الشريف قد اطلع الجانب المغربي في اخر زيارة له للمغرب اواخر يناير2015، على موقف حركته من المفاوضات في جولتها الخامسة والحاسمة، لقناعته بضرورة تظافر جهود كل دول المنطقة دون اقصاء من اجل ويجاد لحل لمعطلة الشمال المالي.
وكما جرت العادة بذلك منذ الاستقبال الملكي له بمدينة مراكش، اصبح المغرب يلعب دور المقرب لوجهات النظر بين الاطراف الرئيسية في الاشكالية المالية، عبر تواصل وتتبع لمسار المفاوضات ورصد المعيقات التي تحول دون تقدمها، وهو دور يعيه ويستحسنه كلا الطرفين، خاصة الرئيس المالي ابراهيم ابوبكر كيتا وممثلي منسقية الحركات الازوادية، وشيوخ وزعماء تقليدين تربطهم بالمغرب علاقات متينة.
وفي هدا الاطار كان للمغرب دور مهم في اقناع الازواديين بالتخلي ن الانفصال لصالح تمكين الاقليم من وضع قانوني وثقافي وانساني واقتصادي خاص ، قبيل اخر اللقاء الذي جمع الامين العام للحركة الشعبية بلال اغ الشريف بوزير الخارجية المغربي، لم يكن اعتباطيا بيوم واحد ،اجمعت الحركات الازوادية المجتمعة في وغادوغو ببوركينا فاسو على احترامها للوحدة الترابية لمالي .
تكرار الزيارات والاعتراف بدور المغرب تقصد منه حركات الازواد ، توجيه اشارة الى الجزائريين ، تنص على ان احتضان الجزائر للمفاوضات لا يعني عزل المغرب عن لعب دوره في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، خاصة وانه قريب من السلطة في مالي ومن حركة ازواد، ويتمتع بنوع من الحياد المطلوب في كل وساطة نزيهة.
هذا اضافة الى لعب المغرب لدور أخر عبر مسارات اخرى ، لا ترتبط بالضرورة بالمسار الجزائري وذو اهمية في ترسيخ حل يضمن الاستقرار والتنمية والامن في المنطقة.