باتفاق مع الكاتب
التغيير لايعني الفوضى والتسيب والخراب، وفقدان التحكم في زمام الأمور ،ولايجب أن نضع التغيير تحت أي تأويل ماكر أو هدف أو غاية مغرضة ،كما أن التغيير ليس آلة مجنونة تشغل من قبل شياطين أو مجانين أو متآمرين أو خائنين ، هاجسهم ضرب الاستقرار والانسجام والتلاحم والوحدة ،والإجهاز على المكتسبات والانجازات .و التغيير ليس انتقاما أو قصاصا ،كما أنه ليس رديفا للنهب والاضطرابات وحالات الاستثناء .
وحدها الأنظمة الديكتاتورية والمستبدة المفتقدة للشرعية الشعبية والديمقراطية ،هي التي تخاف من التغيير ،ووحدها البنيات المحافظة هي التي تشعر بالخوف والارتباك عندما يتعلق الأمر بأي تغيير ،لأنها حسب اعتقادها ومذهبها ،تعتبر أن أي ريح تهب محملة بالتغيير ،هي بمثابة ضربة موجعة موجهة لمصالحها وامتيازاتها .
إن التغيير هو السير في الاتجاه الصحيح لقانون الطبيعة ،والتغيير هو الحفاظ على استمرارية الوجود بدلالاته المختلفة، والتغيير هو التشبث بالحياة ،والتغيير هو تأمين اشتغال جيد للدولة والمجتمع ،ونسج علاقات واضحة بين الحكام والمحكومين ،وقيام مؤسسات فعالة وذات مصداقية يثق فيها المواطنون ،والتغيير ليس وحيا أوإلهاما يلتمع في مخيلة شعب ما،في لحظة من لحظات الإشراق ،بل هو منتوج طبيعي ، تمليه ضرورات وحاجيات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية ويحتمه السياق التاريخي الذي يوجد فيه المجتمع والدولة .وإذا فهمنا بأن التغيير ليس بالضرورة عنفا يستعمل من قبل الشارع أو شرائح واسعة من المجتمع ، لإحداث وضع جديد على الأرض ،فذلك يعني أن التغيير ليس فتنة، والمطالبون به ليسوا قطاع طرق ،إن التغيير الذي نقصده هو العودة إلى أصل الأشياء،وضع كل واحد في مكانه، وكل مؤسسة في المجال المحدد لها، هو تحسيس المواطنين بأنهم ،يعيشون في وطن آمن يضمن لهم حياة كريمة ومستقرة ، وطن يقيهم شر البطالة والعطالة ،وطن يضمن لهم مدرسة عمومية يثقون فيها ،وتمنعهم من دفع فاتورات مهولة لتدريس فلذات أكبادهم ، وطن يضمن لهم مستشفيات عمومية تدل على الحياة وليس على الموت ،مستشفيات يشعر فيها المواطنون بالراحة والاطمئنان ،وليس بالعذاب والخوف،مما يدفع من توفرت لهم الإمكانيات إلى الوقوع بين مخالب نمور القطاع الخاص ،وطن يضمن مؤسسات مواطنة تعيد الاعتبار للمواطنين .
التغيير هو الانتماء إلى المستقبل بكل المقاييس،هو التعاطي الذكي والعقلاني مع الأحداث والسياقات ،هو التنازل الإيجابي للحاكمين ومحيطاتهم وبنياتهم عما يمكن أن يعتبر عنصرا ضروريا لتحقيق انتقال ديمقراطي فعلي وعميق،انتقال يؤسس لدولة المؤسسات والقوانين،حيث لاأحد يشكل الاستثناء ،انتقال ينهي الزبونية وعلاقات القرب والريع والفساد والإفلات من العقاب،انتقال يفتح الطريق أمام ديمقراطية حقيقية ،لاتحمل من اسم، سوى إسم الديمقراطية، لأن الديمقراطية لاتقبل أصلا الشخصنة والتوظيفات الشعبوية والديموغاجية .