عبد الصمد بن الشريف

avatar

نفط المغرب استقراره

لا يملك المتتبع النزيه والرزين لما آل إليه الوضع في عدد من الدول العربية في سياق التداعيات التي افرزها ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي ،سوى أن يشعر بأسف عميق وبخوف ورعب جراء المشاهد الدموية و التراجيدية اليومية وحروب تصفية الحسابات المذهبية والعقائدية والعرقية والفئوية.وكأن الثورات أو الهبات أو الرجات وفق ماترسخ من مفاهيم في المجال العربي ،لابد لها أن تتوفر على قدر هائل من القبح والكراهية والاقتتال والاحتراب بمعناه الشامل ،ولابد لها أن تستند إلى القيامة المطلقة لتدمير العمران وتخريب الأرض وقتل الإنسان.شخصيا تابعت عن كثب مجمل المراحل التي مرت بها دول كمصر وتونس وليبيا واليمن ،وحرصت على أن أحصل على فيض من المعلومات قراءة ومشاهدة واستماعا .ومواكبة لهذا التسونامي العربي ،كنت من حين لآخر اتصل بزملاء لي يشتغلون لحساب فضائيات إخبارية دولية ليضعوني في قلب الإحداث.

وبعيدا عن أي موقف سابق لأوانه ،وفي انتظار ماستسفر عنه مختلف السياقات والمبادرات المعلنة هنا وهناك ،بما فيها التأسيس الدستوري لدولة المؤسسات والقوانين والحقوق والواجبات . أحب أن أشير إلى أن الجزء الأكبر من سكان "دول الربيع العربي " أدركوا أن ضمان الأمن والاستقرار لا ثمن له،ولا يمكن أن يكون موضوع مساومة أو مزايدة أو مغامرة أو مقامرة مهما كانت التبريرات والذرائع. لأنه في غياب وجود قوى وطنية حاملة لمشروع مقنع وقادر على إنتاج التوافق بين مختلف المكونات الداعية للتغيير ،وفي غياب الثقافة الديمقراطية والحس الحضاري والتاريخي والوعي المدني ،من السهولة بمكان أن تتحول ما أسميته "ثورات "إلى كبوات وأزمات وانكسارات وتمزقات وتفككات ،وهذا ماهو حاصل الآن ،حيث عمت الفوضى واستتب الخراب والاحتراب ، وشرد الناس كما هو الشأن في سوريا ،وبات الانتقام ثقافة وعادة يومية .وانتشرت بدع وسلوكات لايمكن المراهنة عليها في تحقيق أي وثبة أو طفرة .

من المؤكد أن الانتقالات الكبرى تكون مصحوبة بمخاضات عسيرة قد تستغرق وقتا طويلا ،لكن ضمن معادلات ومحددات لاتخرج عن مقتضيات العقد الاجتماعي والتماسك الوطني ،مثل ماحدث في دول أوربا الشرقية عقب انهيار جدار برلين وتلاشي المعسكر الاشتراكي،حيث كانت الهبات والانتفاضات، ولكن بأسلوب حضاري ،وحصل الانتقال من أنظمة إلى أخرى ،بمعنى تحولات جذرية ،ونظمت انتخابات بدون اقتتال أو اندلاع مواجهات وبدون نعرات وعصبيات .ونفس الدول طفرت بعضوية الاتحاد الأوربي وقدمت لها المساعدة والسند لتتغلب على الاختلالات وصعوبات الانتقال من وضعية إلى أخرى .

كتابتي عن هذا الموضوع، تهدف بالدرجة الأولى إلى إثارة الانتباه إلى مسالة أساسية ترتبط بنا نحن المغاربة . ذلك أن المسار الذي سار فيه المغرب ،والكيفية التي دبر بها مرحلة حرجة فرضها سياق محتقن ومتوتر ناتج عن نزول المواطنين إلى الشارع للمطالبة بإصلاحات عميقة ومختلفة ومتداخلة ، جعل من المغرب نموذجا استثنائيا في المنطقة العربية ،خاصة في ضوء الإيقاع السريع الذي تحركت به قاطرة المؤسسة الملكية ،والتفاعل الايجابي لمختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والنقابيين والحقوقيين والجمعويين والثقافيين إلخ ... وصولا إلى بلورة دستور جديد وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها،وهو ما أمن حدا مطمئنا ومعقولا من الاستقرار والوئام والتماسك، وأسس لتعاقد جديد ،من أبرز تجلياته إيمان الجميع بأن قوة المغرب من قوة ومصداقية مؤسساته ديمقراطيته.

وبالفعل تم التعاطي مع ما انفرد به المغرب في المنطقة العربية وفي عواصم عالمية مؤثرة ،على أساس كونه استثناء ونموج يجب أن يحتذى به .

لكن هذا الاستثناء،هل هو محصن ويتمتع بما يكفي من عناصر الحماية ؟

أم أن أنه هش وقابل للانهيار ،إذا ما أخذنا في الاعتبار بعض المعارك والتطاحنات وتصفية الحسابات بين أفراد وجماعات وأحزاب ومرجعيات وهويات ؟فمهما قللنا من خطر وحجم هذه السلوكات ومهما تعاملنا معها من منطلق أنها مجرد أحداث عارضة وعابرة ،فإن عين العقل والحساب المنطقي ،يفرضان حكما مغايرا ،لأن الحرائق الكبرى تبدأ بحريق صغير وقد يتعاظم هذا الحريق إلى أن يصبح كارثة حقيقية يصعب احتواؤها والتحكم في نتائجها.

في مواجهة وضع اجتماعي محتقن يطبعه الاحتجاج ،وفي عقلنة طرح القضايا الهوياتية واللغوية والدينية والصراعات السياسية ،نحتاج إلى استحضار مخلفات "الربيع العربي القاتم بيومياته الحزينة "ووحده هذا الاستحضار كفيل بأن ينتج صدمة ايجابية لدى بعض الأفراد والفر قاء والفاعلين و الجمعيات والمنظمات والهيئات والمرجعيات .

ومن لم يدرك قيمة الأمن والاستقرار ويعرف نعمه وفضائله ،ومن لم يتحل بوعي استباقي ،لا يمكن إلا أن يجر البلاد والعباد إلى الفتنة والتهلكة

فهل يقبل أحد منا أن يرى وطنه عرضة للخراب والفتن والعنف والخوف؟وهل يستسيغ أحد منا أن لايضمن حياته في المساء بعد خروجه في الصباح إلى مقر عمله ؟وهل يقبل أحد منا مهما اختلفنا، خيار التصفيات الجسدية ؟ هذه مجرد تساؤلات ينبغي أن نستحضرها ،لنخلص إلى القول ،بأن نفط المغرب هو استقراره الذي لا ولن ينضب.
 









0 تعليق ل نفط المغرب استقراره

أضف تعليق

البحث في الأرشيف

البحث بالتاريخ
البحث بالصنيفات
البحث في الموقع

البوم : صور