في الحاجة إلى انتصارات دائمة
لانتصارات المتتالية التي حققها نادي الرجاء البيضاوي في منافسات كأس العالم للأندية ،من دون شك خلقت حالة من الحماس وأججت المشاعر الجماعية وفجرت في زمن الجفاف والقحط الكروي شلالات من الفرح ،اجتاحت كل التراب المغربي وامتدت إلى كل مناطق تواجد الجالية المغربية والمنطقة العربية التي اعتبرت انجاز الرجاء ،خاصة أمام رفاق رونالدينو ،لحظة مجد وعز وكبرياء من حق شعوب الضاد أن تفتخربها ،علما أن نادي الرجاء هو أول فريق عربي يصل إلى هذا الدور النهائي من مونديال الأندية.
تابعت أطوار المباراة بين الرجاء وأتلتيكو منيرو ،على شاشة الجزيرة الرياضية ،وقبل اعطاء الحكم إشارة بدء هذه المنازلة ،كان الصديق والزميل ماجد الشجعي يختار الكلمات الكفيلة بالتعبير عن حجم الحماس الكامن بداخله والقادرة على ترجمة أهمية الحدث ودقة اللحظة .فيما ضيوفه ومعظمهم نجوم مغاربة تألقوا سابقا كانوا يسلطون الضوء على مقابلة من نوع خاص بين مدرستين ليستا في نفس المستوى والإمكانيات .
بكل تأكيد كانت قلوب المغاربة تنبض وتخفق من اجل الرجاء ومن أجل الوطن ،وكل تسرب او توغل لرفاق رونالدينو كانت كان كافيا لزعزعة اطمئناننا جميعا ،ومثلت الدقائق الاربع للوقت بدل الضائع زمن نفسيا طويلا نوأنا شخصيا تحركت من مكاني حتى تمر تلك الدقائق وكأن سلوكي ذاك قوة سحرية ستشل اقدام نادي أطلتيكو منييرو لكن عناصر الرجاء استغلتها لصلحها لتضمن انتصارا مريحا بكل المقاييس.
وضحكت من أعماقي وأنا أسمع من جديد ماجد الشجعي وهو يتحول إلى ناظم:
"شكرا للرجال
الأخضر يتألق عبر الأجيال
محسن ياجور
يجيد العبور
شكرا للنسور على التحليق والحضور"
وخص في نظمه العديد من النجوم بأوصاف ونعوت تتناسب ودلالة أسمائهم .
كما كان جواد بدا خريج المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط والذي تولى نقل وقائع منازلة مراكش ،يجاهد ويستثمر طريقته في التعليق بالضغط على الراء بطريقة لافتة ،بل شعرت في لحظات كثيرة بأنه كان يصل إلى درجة الجذبة ،وكان تغير طبقات صوته يحيلنا على الخطيب والداعية والموجه ،لأن الوصف الرياضي المباشر والمتفاعل هو نوع من التعبد والإيمان.
تابعت نشرات الأخبار ومن خلالها الأمواج البشرية التي تدفقت نحو الشوارع والساحات ، وكيف خصصت نشرات بأكملها لحدث انتصار الرجاء على أطلتيكو منييرو. وبدا المشهد عبارة عن ملحمة وطنية ،هتفت الحناجر وألفت الأغاني وأطلقت المستملحات "الوالدة صايفت لي لعاقة الرجاء باقا" .ليس هناك إذاعة لم تحتف بالحدث ،اندلعت الزغاريد في كل مكان وعاشت مراكش ليلة بيضاء تعبيرا عن حجم الفرح.
وما قاله رئيس الحكومة اليوم له أكثر من دلالة حيث اعتبر السيد بنكيران، في كلمة افتتاحية له خلال انعقاد المجلس الحكومي اليوم الخميس بالرباط، أن ما حققه الرجاء البيضاوي يعد "محط فخر وطني"، واصفا انجاز الرجاء "بالتاريخي.
وأكد كذلك أن ما حققه الرجاء البيضاوي يؤكد أن المغاربة قادرون على تحقيق المعجزات"، مسجلا أن ذلك مرتبط بأن "تكون اللعبة نظيفة".، على حد تعبيره.
وكشف رئيس الحكومة أنه تلقى العديد من الاتصالات من طرف مسؤولين في دول خارجية، تتقدم للمغاربة بالتهاني على ما حققه الرجاء البيضاوي ضد منافسه فريق الـ"مينيرو" البرازيلي .
كل ما قلته مجرد توصيف لمشاعر شعب تدفقت بعد إنجاز مشرف لناد أثبت أنه قادر على صنع الملاحم ،لكن المهم بالنسبة إلي،هو التوقف عند هذا الحماس وهذه المشاعر وهذا الاعتزاز وهذه العفوية الجارفة التي أظهرت أن المغاربة في أمس الحاجة إلى انتصارات دائمة وانجازات كبيرة .
الخلاصة من كل هذا هو أن المغاربة قادرون على تحقيق المستحيل إذا توفرت الإرادة والثقة والإيمان والروح الوطنية والنفس القتالي والانضباط والواقعية .وأعتقد بقوة أن المجهود البيداغوجي والنفسي والذهني الذي بذله المدرب فوزي البنزرتي جعل من عناصر الرجاء قامات كبيرة لم ترتعد فرائصها أمام أقوى الأندية.لأ ن التهييء والتأهيل النفسي والذهني هو رأس الرمح في المواجهات الحاسمة والمصيرية .
كما أن انجازات الرجاء تكشف الوجه الآخر لمشاعر الإحباط التي خلفتها إخفاقات المنتخب الوطني ،ما جعل المواطنين يلوذون بنادي الرجاء كشكل من أشكال الاحتماء من الهزائم والتعويض عن الخسائر،وفي ذلك رسائل عديدة إلى أكثر من جهة .
وأم الخلاصات في السياق الذي نتحدث فيه ،هي أنه يتعين علينا أن نعض بالنواجد على فرص النجاح والتألق والتقدم كلما أتيحت لنا لأنها ستمكننا من قطف جملة من الثمار وتحقيق عدد من الأهداف ،وبالمقابل كلما أضعنا فرصة لسبب من الأسباب رجعنا خطوات إلى الخلف ،وحكمنا على شعب يحب الفرح والانتصارات ويتغنى بأمجاده ويعتز بانتمائه وتاريخه وحضارته وثقافته ، بالغبن والحزن واليأس وعدم الثقة واللانتماء .