عجبي من المؤسسات الاعلامية
أعترف وبكل مرارة أنني لم أعد أفهم سر هذا التوجه نحو التسطيح والتعويم الذي بات يمارسه العديد من وسائل الإعلام .هل الأمر يتعلق بإستراتجية مفكر فيها لصياغة مواطنين معطوبين ومشوهين لغويا وفكريا وقيميا ؟ أم أن المسالة لا تعدو أن تكون اختيارا اعتباطيا ن أو ربما أملته مقتضيات التنافس بين المؤسسات الإعلامية طلبا للربح وسعيا إلى استقطاب أكبر عدد من المستمعين والقراء والمشاهدين؟الأساسي في تفكيك هذه الممارسة، هو أن قضايا حساسة تطرح للنقاش ويتولى إدارتها والحسم فيها إما شباب في بداية المشوار ،أو أشخاص تحولوا بقدرة قادر إلى خبراء وفقهاء في كل شيء .ويا للعجب ويا للغرابة كيف يمكن أن يقبل العقل والمنطق هواة يقولون أي شيء وبأي طريقة دون تقدير أو مراعاة لما يمكن أن يترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية .
احترت في فهم مايجري من تدمير وتشويه وتسطيح ،وحاولت أن اقنع نفسي بأن الأمور ربما عابرة وعرضية ،لكنها صمدت واستماتت في ترسيخ هذا الفتح الإعلامي غير المسبوق.وما يزيد في الغرابة أن مؤسسات إعلامية تستضيف شبابا مبتدئين ليناقشوا قضايا مصيرية وحساسة ،علما أنهم وبحكم محدودية تجربتهم وثقافتهم وبحكم سنهم لن يعطوا أكثر مما عندهم .
ليس هذا الموقف طعنا في كفاءتهم ،بل احتراما لهم و لباقي المواطنين.لسبب بسيط هو أن عطاءهم وتألقهم يمكن أن يكون أفضل في سياقات أخرى وفي قضايا يستطيعون مناقشتها والتميز في التعاطي معها .لأنه هناك فرق بين الحق في التعبير عن وجهة نظر أو موقف أو تشجيع طاقات في بداية تفجرها وبين التحليل والتنوير والتعليل و صناعة الرأي العام .
بكل تأكيد سيغضب جزء كبير ممن أوجه الكلام إليهم .لكن الواجب الأخلاقي والفكري والوطني أرغمني على هذا التمرين ،ليس من موقع الأستاذية ولا من موقع تصفية حساب ما ،ولكن من موقع الدفاع عن الجودة والمصداقية والجدية وسلامة اللغة ووضوح الرؤيا والرؤية.
وليس في ما أقول أي ترفع أو تعال أو انغلاق ،
تابعوا المجازر اللغوية التي ترتكب بالتعابير المفخخة ،ولاحظوا كيف لايجد منشطون أي حرج في استعمال خليط لغوي لاهو بالعامية ولا هو بالفصحى ولا هو بالفرنسية .وتوقفوا قليلا عند الصراخ والتهريج والشعبوية وطرق صياغة الأخبار ومناقشة الملفات وكيف يتحول خبر تافه إلى خبر أساسي .وكأن الرسالة المراد إيصالها من خلال هذه التقليعة الإعلامية نهو أن أي شخص بمقدوره أن يصبح صحافيا أو منشطا ،يكفيه فقط أن يكون مرحا وسطحيا وملما بقواعد تدمير اللغة وتشويه الذوق واحتقار الفكر.
الجدير بالملاحظة في هذا الإطار ،هو أن البرامج والأخبار بالفرنسية تجدها تحترم المعايير المهنية وتقدم بطريقة جذابة وبأصوات مريحة للأذن. وليس هناك من الصحفيين أو المنشطين من يتحول إلى مفت أو خبير يفهم في كل شيء.
لا تذهبوا بعيدا .خصصوا جزءا من وقتكم وتابعوا برامج العديد من الإذاعات، وبعد ذلك اتخذوا الموقف الذي تريدون.