عبد الصمد بن الشريف

avatar

مع اليوسفي في إيران -1-

بعد حوالي ثمان ساعات من الطيران المتواصل ،وبعد التحليق فوق أكثر من دولة،حطت الطائرة المغربية التي كان تقل على متنها وفد ا رفيع المستوى يترأسه الوزير الأول آنذاك عبد الرحمان اليوسفي بمطار طهران الدولي ،وعلى امتداد المسافة الجغرافية والثقافية والنفسية الفاصلة بين الرباط وطهران ،كانت رؤوس الوزراء ورجال الأعمال والصحافيين ،تزدحم بأكثر من سؤال ،حول الجمهورية الإسلامية الإيرانية وخياراتها الفكرية والعقائدية ومسا لكها في التنمية الداخلية والسياسة الخارجية واسراتجيتها الإعلامية وامتداداتها الجيوستراتجية....وفي انتظار أن تحط الطائرة التي كان يقودها بسلاسة نادرة الربان الفحلي ابن سيدي قاسم ،كنا نقاوم طول وضجر المسافة بنقاشات مختلفة ثنائية كان يشترك فيها أكثر من شخص ،بما فيهم الوزراء ،وأتذكر بالمناسبة أنني تدخلت وزميلي حسن عبد الخالق سفير المغرب حاليا في الأردن ،لدى محمد الأشعري بوصفه وزيرا للاتصال والثقافة وقتئذ ،قصد تسوية مشكلة صحافي ،زج به في معضلة كانت من إنتاج عقلية سنوات الجمر والرصاص الإعلامي .

كانت أشعة الشمس مساء الثلاثاء16يناير2001 قد اختفت بالكاد لتنام خلف سلسلة جبال تطوق مدينة طهران ،وكأي زائر تطأاقدامه لأول مرة أرضا كأرض إيران التي احتضنت واحدة من أرقى الحضارات الإنسانية ، بفتوحاتها الشعرية والفلسفية وأساطيرها وملاحمها التي مازالت تنطوي على الجاذبية وتغري بالقراءة،كانت دهشة الاكتشاف وغريزة الفضول تقيم في عيون الكثير منا .

طهران مدينة ضخمة ،بدت ممتدة في الجغرافية والزمن،وفي الطريق من مطار مهر آباد الدولي إلى فندق الاستغلال باللغة الفارسية الاستقلال باللغة العربية كان لابد أن نمر على ساحة الحرية أو ميدان آزادي تم بناؤه في عام 1971 ، علي ارض تبلغ مساحتها 50 ألف متر مربع، يتوسطها برج في غاية الروعة و الدقّة الهندسية، و يعتبر رمزاً للعاصمة طهران، وإحدى النماذج المميزة للمنجزات المعمارية الإيرانية الإسلامية المعاصرة، ويبلغ ارتفاعه 45 متراً، ويوجد في طبقاته الأرضية متحف و مکتبة و قاعة لعرض الأفلام و محلات لبيع الصناعات اليدوية و الکتب. 

في فندق الاستغلال الذي يقع في منطقة تسكنها الطبقة البورجوازية ،لم يكن من الصعب أن نلاحظ مظاهر التحول التي كانت تخترق المجتمع الإيراني ،حيث نساء أعمال شابات يرتدين ألبسة تبرز أجزاء من أجسامهن ،وبعضهن كان يدخن السجائر ،خاصة وأن الزيارة الرسمية لليوسفي عام 2001تزامنت مع انتعاش المد الإصلاحي والانفتاحي الذي كان يقوده الرئيس محمد خاتمي أحد المدافعين عن حوار الحضارات ،وكشف لنا محمد صادق الحسيني خلال حفل استقبال بإقامة السفير المغربي في طهران ،أن النساء هن من يقدن التغيير وهن رأس الرمح في أي تحول أو مد إصلاحي ،والحسيني كان مستشارا لخاتمي وهو كاتب وخبير في شؤون العالم العربي ويكتب بالعربية .

أول نشاط لعبد الرحمان اليوسفي خلال تلك الزيارة التي استغرقت خمسة أيام ،تمثل في عقد ندوة صحافية مشتركة مع حسن حبيبي النائب الأول للرئيس الإيراني وقال اليوسفي حينها أمام الصحافيين إن «هذه الزيارة هي الأولى لمسؤول كبير من بلادي إلى إيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979 وهدفها الرئيسي بالتالي سيكون سياسيا».

وخلال تلك الندوة الصحفية حاولت أن أطرح بعض الأسئلة على اعتبار أنني كنت أغطي برنامج الزيارة لصالح قناة دوزيم ،غير أن حراس حببي تدخلوا بطريقة غيرمفهومة وحالوا دون أن أطرح أي سؤال، مما أثار غضب اليوسفي ،وكان ذلك السلوك وراء لحظة توتر سرعان ما بددها اليوسفي بإشارات صدرت منه التقطها بسرعة .

وقبل أن تبدأ المحادثات الرسمية بين الطرفين في "سعد آباد "القصرالإمبراطوري السابق في شمال طهران.بادرني اليوسفي قائلا "رأيت ،لسنا في المغرب ، أليس هناك فرق كبير بين بلدنا وإيران ،انتم في المغرب تطرحون ماتشاوؤن من الأسئلة وبدون مشاكل ..."كان اليوسفي يختار كلماته بدقة ويصرفها بطريقة لا تخلو من الابتسامة الخفيفة والحكيمة ومن السخرية التي تشير إلى أكثر من دلالة.









0 تعليق ل مع اليوسفي في إيران -1-

أضف تعليق

البحث في الأرشيف

البحث بالتاريخ
البحث بالصنيفات
البحث في الموقع

البوم : صور