عبد الصمد بن الشريف

avatar

في الحاجة إلى زعيم

كان الجو الساخن شديد الحرارة الذي اكتنف حفل افتتاح المعرض الذي نظمه الاتحاد الاشتراكي بمسرح محمد الخامس بالرباط بمناسبة مرور 50سنة على تأسيسه،مصدر ضجر وقلق بالنسبة للعديد من الحاضرين ، فالمساحة المخصصة لعرض أرشيف عمره خمسة عقود كانت ضيقة ،ولم يتسع فضاؤها لضيوف جاؤوا من مناطق وآفاق مختلفة،وكان من الصعب جدا تحمل هذا الجو ،الذي تسبب في سيول من العرق بللت الوجوه والجبهات وأجزاء أخرى من الجسم .لكن رغم هذا الاحتقان غير المحسوب وربما الخارج عن إرادة المنظمين ،بسب غياب أجهزة التكييف ،فإن الحدث لم يخل من جاذبية ومشاهد قابلة لكل التأويلات والقراءات ،وكان حضور القائد الاتحادي المستقيل عبد الرحمان اليوسفي الذي قاد حكومة التناوب التوافقي ،البؤرة المركزية للحفل والنجم الذي غطى على تلك الخمسين سنة من الوجود السياسي ،وبلغة أدق سرق اليوسفي الأضواء في مناسبة أرادها الاتحاد دليل إثبات على تاريخيته وتجذره،ورسالة سياسية على مناعته وقوته ،في وقت أصبح فيه حزب الوردة يعيش حالة ارتباك وغموض وفتور ،وكاد أن ينزلق إلى الأسوأ،بعد سلسلة من الهزات والعواصف وصراع المصالح والمواقع.
من المؤكد أن الجمهور الذي حضر حفل افتتاح معرض الاحتفال بخمسين سنة لتأسيس الاتحاد الاشتراكي ،متنوع وينتمي لفئات اجتماعية وعمرية وحساسيات فكرية وسياسية مختلفة ،كان هناك خصوم الأمس الإيديولوجيين وحلفاء اليوم السياسيين وفي مقدمتهم السيد عباس الفاسي الذي اجتمعت فيه صفتان، فهو أمين عام حزب الاستقلال وزير أول يقود حكومة من ألوان سياسية متنوعة بما فيها الوردي ،وكان هناك عدد لايستهان به من الوزراء و خليط من المناضلين والمدعوين والفضوليين ،غير أن هذا العنصر لم يكن قادرا على رسم مسار آخر للحدث ،فبدا واضحا منذ الوهلة الأولى، أن حضور اليوسفي سيلفت الأنظار وسيزعج العديد من القيادات التي لاتحظي بنفس القدر من الشعبية والتقدير والإعجاب، كان الرجل في الحفل أشبه بقطعة مغناطيسية لها قوة الجذب والتأثير،فالابتسامة الدالة على الثقة في النفس لاتفارقه ، والجسد يمشي منتصب القامة ،رغم تقدم السن ، والتفاعل مع الناس حاضر بقوة ،والذاكرة متقدة، والاهتمام بالهندام أمر لاتنازل عنه ،وعندما يحضر الرصيد الأخلاقي والسياسي والنضالي للرجل ،ويتضافر مع الصفات التي سبقت الإشارة إليها،ينحت من هذه المكونات صورة قائد يملك سلطة الكاريزما وقوة الأخلاق والقدرة على إحراج العقل السياسي والحزبي عندما يتعلق الأمر بالمواقف الحاسمة .
بما ذا يمكن تفسير التصاق وتعلق العديد من الاتحاديين وخاصة الشباب ،بشخص عبد الرحمان اليوسفي ؟ألا يدل هذا السلوك على حاجة ماسة إلى قائد من عيار اليوسفي ،أليست مواقفه وربما وضوح مسعاه وطريقه ،هي الدافع المنطقي والموضوعي الذي يحرك المشاعر من حين لآخر في نفوس قطاع عريض من الاتحاديين،ويخلق لديهم حاجة ملحة إلى ضرورة تدبير أمور السياسة وشؤون الحزب بأسلوب مغاير ؟
ماذا لوظل اليوسفي على رأس الاتحاد ،أو على الأقل عضوا في قيادته ،هل كان الاتحاد سيؤول إلى نفس المصير؟هذه أسئلة تتبادر تلقائيا إلى ذهن كل مراقب محايد، يقرأ الأحداث في أبعادها وسياقاتها الحقيقية .عندما عقدت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مؤتمرها الوطني خلال الشهور الماضية ،بالمكتبة الوطنية ،و في ختام الجلسة الافتتاحية التي حضرها عبد الرحمان اليوسفي ،حدث نفس الشيء ، وما أثار انتباهي هو تحلق جمهور غفير من الحاضرين حول اليوسفي ، وكان أغلبهم على مايبدو من الاتحاديين أو المتعاطفين، وجد الرجل نفسه مطوقا بكثير من النشطاء ،خاصة الشباب ،وكان الحرص شديدا على أن يلتقط كل من وجد فرصة سانحة ،صورة تذكارية مع اليوسفي ، الذي كان يظهر لعين المراقب بناء على ذات المشهد ، أشبه برجل إنقاذ يتشبث به جزء من الاتحاديين ،وهم يهمسون له في أذنيه، أو يقولون له بصوت عال "طال انتظارك ماعودتنا غيابا ،أب المناضلين إرجع نحن ننتظر "









0 تعليق ل في الحاجة إلى زعيم

أضف تعليق

البحث في الأرشيف

البحث بالتاريخ
البحث بالصنيفات
البحث في الموقع

البوم : صور